طوفان الصخرة - عدنان الساحلي

الجمعة 26 أيلول , 2025 12:37 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

دخلت صخرة الروشة التاريخ، فما بعد احتفال الأمس غير ما قبله، والحكومة، بل والعهد كذلك، حسب إعلام المتصهينين في لبنان، خسروا هيبتهم، وكسر جمهور المقاومة قرارَ نواف سلام؛ ورفضت المؤسستان العسكرية والأمنية الصدام مع أهلهما ومواطنيهما، تنفيذا لإصرار رئيس الحكومة على تنفيذ قرار أميركي - "إسرائيلي" بالتصادم مع المقاومة وجمهورها.
 أصر رئيس حكومة العهد الأولى على استفزاز أوسع جمهور في لبنان؛ جمهور المقاومة، فكان رد هذا الجمهور طوفانا بشرياً هادراً، أسقط قراراً لا يمت إلى الوطنية والكرامة بصلة، وكيف لا يكون كذلك وهو يتخذ موقفاً سلبياً من سيد شهداء الأمة، الذي استشهد في مواجهة العدو "الإسرائيلي"، وبالتالي فإن مجرد اتخاذ موقف سلبي من مثل هذا الشهيد، هو الخيانة بعينها.
إذاً، طافت منطقة الروشة وصخرتها أمس برواد قصدوها لإنارتها بصور الشهيدين السيد حسن نصرالله وخليفته السيد هاشم صفي الدين، فغمرت حشود أهل المقاومة وأبنائها وحلفائها كل طرقات رأس بيروت ومتفرعاتها وساحاتها.
من كل أحياء ضواحي العاصمة بيروت، ومن مختلف أحياء المدينة، تدفقت حشود وآلاف مؤلفة، من الشبان والشابات والرجال والنساء، بعضهن جئن بأطفالهن في عرباتهم، وكثير من الشابات والنساء لم يكن من المحجبات والملتزمات دينياً، مما يشير إلى شمولية المشاركة الوطنية في هذه المناسبة. وشهدت مختلف مداخل العاصمة زحمة سير خانقة، تميزت بمشاهد رافعي أعلام المقاومة وصور قادتها وشهدائها. كما كان ظاهراً وجود ومشاركة حلفائها، مثل حركة "أمل" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي"، و"المردة"، وغيرهم.
وذكّر مشهد الطوفان البشري أمس بمشهد تشييع السيدين نصرالله وصفي الدين، لكن الفارق أن حشد المشيعين قبل سنة كان حزيناً على استشهاد أمين عام حزب الله وخليفته، في حين ان حشد الروشة أمس كان حشد عنفوان وتحدٍّ في تكريم شهيد من اسمى الشهداء، كما كان فيه إصرار على كسر قرار مشبوه لا يصنف إلا في خانة العمالة والخيانة والانحياز إلى صفوف العدو، الذي يحتل أرضنا ويقتل شعبنا.  
على مداخل العاصمة تباطأت حركة السير.. المشاركون جاؤوا جماعات وفرادى، ملأوا الشوارع والساحات.. آلاف السيارات وعشرات الحافلات وآلاف الدراجات كانت تتسابق براكبيها للوصول إلى منطقة الروشة، علها تجد موقفاً لركن وسيلة النقل، أو فسحة في الشارع المقابل لصخرة الروشة، للوقوف والمشاركة في الحفل، لكن عبثاً، كان الجميع كمن يبحث عن سراب، فمن ساحة أبو شهلا إلى عين التينة، أو الرملة البيضاء أو ساقية الجنزير؛ وصولاً إلى منطقة الروشة، كان من المستحيل العثور على مكان لركن سيارة أو دراجة، وبالمثل لجهة عين المريسة والحمام العسكري وطلعة الروشة، فحشود المشاركين تحركت باكراً وحجزت اماكنها، كما ملأت السيارات والحافلات والدراجات كل طرقات المنطقة وساحاتها، فإذا بمنطقة الروشة ورأس بيروت ومتفرعاتها تحولت إلى موقف يختنق بالحافلات والسيارات والدراجات، ومن اعتقد أنه بوصوله إلى الحفل قبل نصف ساعة سيجد موطىء قدم له، وجد نفسه يدور ببطىء شديد في دائرة مقفلة، من دون أن يتسنى له مغادرة سيارته. ومع انتهاء الحفل تحرك سيل من البشر نزولاً نحو منطقة المنارة وعين المريسة، فيما كانت الحشود المتجهة بالاتجاه الآخر، تقفل الطرقات نحو الحمراء وساقية الجنزير والرملة البيضاء، وكانت حشود العائدين سيراً على الأقدام تشغل الأرصفة والممرات في كل الاتجاهات، تردد الهتافات التي أطلقتها عند قدومها، لكنها زادت هتافاٌ عليها عند المغادرة، هو: "ضويناها بالقوة"، حتى أن بعض المشاركين كان يسأل هازئاً: "أين نواف"؟
والبارز في خطب الاحتفال، تركيزها على دور بيروت العروبة كعاصمة للمقاومة؛ وتشديدها على رفض التطبيع مع العدو "الإسرائيلي"؛ وعلى قطع احلام دعاة التطبيع مع هذا العدو، من الداخل والخارج، فيما تم إضاءة الصخرة بصورتي السيدين الشهيدين، إضافة إلى صور الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري وصورة الشهيد رفيق الحريري.
والبارز أيضاً، عمق الصدمة التي أصابت جماعات التطبيع مع العدو، المنادين بنزع سلاح المقاومة؛ والمؤيدين لقرار نواف سلام بمنع إضاءة صخرة الروشة بصورة الشهيد السيد حسن نصرالله، صدمة من هول الحشد الشعبي الذي ملأ الشوارع والساحات؛ وصدمة مماثلة من سقوط قرار رئيس الحكومة على أعتاب أبناء الوطن والشعب، ضباط وجنود المؤسستين العسكرية والأمنية، فهذا السقوط هو سقوط للعهد وحكومته؛ في تطور طبيعي ورد فعل متوقع، إذ بينما رئيس حكومة العدو يتحدث عن عمله لتحقيق "إسرائيل الكبرى"، كما يتحدث الصهيوني من أصل لبناني، المبعوث الأميركي توم براك، عن وهم السلام وعن ضرورة خضوع العرب لـ"إسرائيل"، يقف رئيس العهد في الأمم المتحدة متحدثاً عن "السلام" مع العدو، في حين يعادي رئيس حكومته المقاومة، ظناً منه أنه قادر على إلغاء وجودها ونزع سلاحها تنفيذاً للأمر الأميركي – "الإسرائيلي"، وهذا الأمر يستدعي من أهل المقاومة وكل الحريصين على أن يكون لبنان وطناً ودولة؛ وليس "جمهورية موز" وحديقة خلفية للأميركي و"الإسرائيلي"، أن يعملوا على تغيير تركيبة هذا النظام، بما يجعله عصياً على الهيمنة الأميركية وعلى العدوانية الصهيونية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل