تمزيق سوريا.. بين دهاء العدوان وغباء القيادة ــ أمين أبوراشد

الأربعاء 24 أيلول , 2025 09:57 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

عندما أعلنت أميركا قرار إسقاط النظام العراقي في 17 آذار 2003، اختفى الجيش العراقي خلال أيام، لتظهر عناصره لاحقاً ضمن تنظيم "داعش".

أحمد الشرع "دُفِعَ به" لفعل العكس؛ دخل من إدلب بعناصر من "دواعش جبهة النصرة"، تحت مسمى "هيئة تحرير الشام"، وأعلن حلّ الجيش السوري، ودمَّر المدماك الأساسي للدولة السورية لصالح المنطق الفصائلي، العرقي والطائفي، فانتزع الفرقاء دويلاتهم في الساحل والجنوب والشمال الشرقي، وبقي للشرع إقليم "حماه - تدمر- دمشق"، بانتظار أن تشتعل الحرب البينيَّة السنيَّة لطرد الأجانب من "دويلة" هي الباقية لسُنَّة بلاد الشام.

وإذ أعلن الشرع لصحيفة "ميليت" التركية في العشرين من شهر أيلول /سبتمبر الجاري، أن ما حصل في السويداء هو فخّ لحكومته، دون أن يشرح طبيعة هذا الفخّ، فإنه وقع فيه لأنه أخطأ تقدير قوة الفصائل الدرزية داخل السويداء، ودهاء الكيان "الإسرائيلي" في صناعة العدوان.

وعلى ضوء هزيمة السويداء، رأى الشرع نفسه ملزماً بالتخلي عن كامل الجنوب السوري، واستُدعي إلى نيويورك للتوقيع على ما يسمى الإتفاق الأمني السوري - "الإسرائيلي"، وهو أفصح عن قرب توقيع هذا الإتفاق لصحيفة ميليت، بعد إلقاء كلمة سوريا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في فرصة لم تعطَ لرئيس سوري منذ العام 1967، وقد اتخذت الحكومة الأميركية كافة الإجراءات لرفع كل الموانع القانونية التي تحول دون دخوله الولايات المتحدة، كونه كان مطلوباً على المستوى الدولي بنحو 680 قضية تتعلق بالإرهاب خلال عمله ضمن التنظيمات التي انخرط فيها.

وبصرف النظر عن لقاء الشرع ببنيامين نتانياهو في نيويورك لتوقيع "الاتفاق الأمني"، وبالتالي إعلان استقلال السويداء عن سوريا في 25 أيلول الجاري، جاءت المفاجأة من باريس لتستبق خطوات الشرع، حيث  أعلن الوزير الدرزي والعضو السابق في الكنيست الإسرائيلي أيوب قره، خلال مؤتمر عقد في العاصمة الفرنسية باريس، ما وصفه بـ”استقلال السويداء عن الدولة السورية”، وقيام كيان درزي مستقل في جنوب البلاد.

وقال قره في كلمته العلنية:”نعلن اليوم، 21/9/2025، يوماً تاريخياً لانفصال السويداء عن سوريا وعن حكومة "الإرهابي أحمد الشرع”، على حد تعبيره، وذكر قي كلمته أنه يتحدث باسم الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، والمعروف أن زعيم هذه الهيئة في "إسرائيل" هو الشيخ موفق طريف. 

ويُعدّ هذا التصريح أول إعلان خارجي صريح، لانفصال منطقة سورية عن الدولة المركزية منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، رغم غياب أي إعلان رسمي من السويداء نفسها أو أي جهة داخلية أو خارجية لغاية الآن.

وانتشرت الخرائط ذات الألوان الثلاثة لجنوب سوريا الجديد، الأزرق يشمل القنيطرة وجبل الشيخ كمنطقة "إسرائيلية" عازلة مع الجولان المحتل، ومحافظة درعا باللون الأصفر تتقاسم النفوذ عليها كل من روسيا و"إسرائيل"، مع تكليف المدعو أحمد العودة الموالي لروسيا بأمنها الداخلي، وباللون الأحمر محافظة السويداء وأريافها وجزء من ريف دمشق يضم جرمانا وصحنايا وسواهما من البلدات ذات الغالبية الدرزية، حكم ذاتي كامل شبيه بوضع كردستان العراق: حكومة محلية وبرلمان خاص وقضاء مستقل إلى جانب قيام أجهزة ودوائر عسكرية ومدنية قوامها أبناء المحافظة، بدءاً من المحافظ الى رؤساء البلديات وقادة الأجهزة الأمنية والشرطية، فيما لا تواجد لأي سلاح ثقيل أو متوسط أو جندي للدولة السورية في كامل المحافظات الجنوبية. 

وإذ يُتوقع أن يلي إعلان الإتفاق الأمني بين سوريا و"إسرائيل" في 25 من الجاري القاضي بسلخ الجنوب السوري بالكامل مع اعتبار مرتفعات الجولان ضمن نقاط خط وقف إطلاق النار للعام 1974، وتأكيد وزير الدفاع الصهيوني بقاء قواته في أعالي جبل الشيخ لرصد كامل جوار فلسطين المحتلة في سوريا ولبنان والأردن والعراق، فإن الزيارة المرتقبة لأحمد الشرع إلى موسكو في منتصف الشهر القادم للمشاركة في القمة العربية الروسية، سوف تتضمن إقراره بالحكم الذاتي أو الوضع الفيدرالي لإقليم الساحل(وسط وغرب سوريا) تحت حماية روسية كاملة وأمن داخلي علوي.

وإذ يسلك أحمد الشرع طريق تمزيق سوريا قبل موعد ترحيله عن المشهد السياسي، صدر تصريح لافت من المعارض السوري الدكتور هيثم المناع في قوله: ما زال أحمد الشرع مقتنعاً ببقاء سوريا موحدة، كونه إبن مدرسة الخلافة، التي تؤمن بالحكم المطلق للخليفة، الذي يُحيط نفسه عادة بمجموعة وزراء ومستشارين من اختياره، يستأنس بآرائهم لكن القرار المطلق له وحده، وأحمد الشرع هو إبن هذه الثقافة، وبالتالي لا يؤمن بأيّ من أشكال اللامركزية ولا يُجيد إدارة فرقاء سوف تمنحهم اللامركزية أو الفيدرالية حرية العمل ضمن أقاليمهم. 

وإذا كان وضع العلويين في الساحل جعلهم فريسة سهلة بعد تسليم سلاحهم، ووضع الدروز قوي بمواقفهم التي كانت تطالب بمراعاة خصوصيتهم منذ عهد الرئيس بشار الأسد، والإحتكاك بهم أنتج انسلاخاً لكامل الجنوب عن سوريا، يبقى وضع الأكراد في الشمال الشرقي كأقوى المكونات السورية، ودولة قائمة بحد ذاتها عسكرياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، فيما يبدو أنها هي النواة لقيام جمهورية سورية اتحادية بعد رحيل الشرع، تحاشياً لتقسيم سوريا إلى أربع دويلات، لعل دويلة السُنَّة أضعفها وأفقرها وأتعسها وهذا ما لن يُرضي طائفة هي الأكبر على امتداد خارطة سوريا الممزقة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل