فلسفة الجمال ومعناه في الحضارات المختلفة

الإثنين 08 أيلول , 2025 10:36 توقيت بيروت ثقافة

الثبات- ثقافة

منذ أن خطّ الإنسان أول نقش على جدار كهفه، وهو يسأل نفسه:

 ما الجمال؟

أهو لونٌ يسرّ العين، أم لحنٌ يطرب الأذن، أم انسجام يملأ الروح بالسكينة؟

ولأن الحضارات تختلف في رؤيتها للوجود، فقد اختلفت تبعًا لذلك في رؤيتها للجمال.

 1- الجمال في الحضارة المصرية القديمة

رأى المصريون القدماء الجمال انعكاسًا للانسجام مع الكون والآلهة فجعلوا من التناسق الهندسي في المعابد والأهرامات صورةً للجلال والجمال معًا وكانت الموسيقى والرقص عندهم وسيلة للتطهر الروحي، والجمال في المرأة رمزًا للخصب والحياة واستمرار الوجود.

 2- الجمال في الحضارة اليونانية

  اليونان جعلوا من الجمال فلسفة عقلية عند أفلاطون، الجمال صورة عليا أبدية، قرينة الخير والحقيقة.  أما أرسطو فربطه بالانسجام والغاية، ورأى أن الفن محاكاة للطبيعة لكن بصورة أسمى.  لذا ازدهر عندهم فن النحت الذي جمع بين الدقة الجسدية والمثالية الروحية.

 3- الجمال في الحضارة الرومانية

  الرومان نظروا إلى الجمال كأداة تخدم قوة الدولة فكان المعيار عندهم هو العظمة والفخامة: في المدرجات، والطرق، والحمامات العامة، حيث العمارة الضخمة هي عنوان الجمال.

 4- الجمال في الحضارة الإسلامية

  هنا نصل إلى مرحلة متميزة من الفكر الإنساني؛ إذ لم يعد الجمال مجرد إحساس عابر، ولا مجرد فكرة عقلية، بل صار قيمة إيمانية وروحية

  أ- الجمال من منظور عقدي  في الإسلام، الجمال متصل بالله عز وجل، فهو سبحانه الجميل الذي يحب الجمال هذا التعريف البسيط فتح بابًا واسعًا لفلسفة الجمال:

فكل جمال في الكون إنما هو دليل على قدرة الله تعالى الخالق.

القرآن الكريم زاخر بالآيات التي تستدعي النظر إلى الجمال:

جمال الكون: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾

 جمال الطبيعة: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾

 جمال الكلمة والعمل: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾

  ب- الجمال في الفنون الإسلامية

  لم يسع المسلمون إلى محاكاة الطبيعة كما فعل اليونان، بل سعوا إلى التعبير عن وحدة الوجود وتناسقه:

 الخط العربي: لم يكن مجرد وسيلة للكتابة، بل فنّ روحي فالكلمة تحمل معنىً ومعها جمال الشكل، ولهذا كتبوا القرآن الكريم بأجمل الخطوط، فصار الخط زينة للنص وزينة للقلب

  العمارة الإسلامية: المساجد والمدارس والقصور بنيت لتجعل الداخل إليها يعيش حالة من السمو؛ فالقبة، والمئذنة، والنقوش، كلها تنقل الإنسان من الأرض إلى السماء.

 ج- الجمال في الأدب والشعر

الشعراء المسلمون تغنّوا بالجمال لكنهم ربطوه دائمًا بالقيم:

 ابن الرومي وصف الطبيعة ببلاغة، لكنه رآها آية على عظمة الخالق.

 المتنبي رأى الجمال مقرونًا بالعز والبطولة.

 جلال الدين الرومي جعل من الجمال طريقًا إلى الله، فقال: “كل جمال في هذا العالم ما هو إلا مرآة تعكس جمال الحق”.

  د- الجمال والأخلاق في الحضارة الإسلامية، الجمال ليس مظهرًا خارجيًا فقط، بل هو قبل كل شيء جمال الخُلق.

 قال النبي ﷺ: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)).

 فالجمال الأخلاقي مقدَّم على الجمال الشكلي، وهو ما يفسّر ارتباط "الإحسان" بالجمال، فالإحسان: ((أن تعبد الله كأنك تراه)) وهذا أرقى درجات الجمال الروحي.

 هـ- الجمال كوسيلة للتقريب بين الشعوب

حين ازدهرت الحضارة الإسلامية، كان فنها ومعمارها وأدبها جسرًا للتواصل مع الأمم الأخرى

فدهش الأوروبيون بجمال الأندلس وعمارتها، وانبهروا ببهاء بغداد ودمشق والقاهرة، وهكذا تحوّل الجمال إلى لغة عالمية عابرة للثقافات

5- الجمال في الحضارة الغربية الحديثة مع عصر النهضة، عاد الاهتمام بالجسد والطبيعة عند كانط، الجمال تجربة ذاتية حرة

وعند هيغل، هو تجلّي الروح في المادة. أما في الحداثة وما بعدها، صار الجمال نسبيًا، يتغير بتغير الأذواق والثقافات.

الخلاصة:  يبقى الجمال في جوهره لغة مشتركة بين البشر، لكنه يتلوّن بلون الحضارات التي تعكسه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل