الثبات- ثقافة
كان التعليم في الماضي أشبه برحلة روحية وعقلية في آنٍ واحد، رحلة تبدأ من مجلس شيخٍ تحت ظل شجرة، أو من مدرسة صغيرة بجوار المسجد، حيث يُجلس التلاميذ على الحصر، وتُضاء العقول بسراج العلم لا بالكهرباء، وتُسقى القلوب بماء الأخلاق قبل أن تُغذّى العقول بالمعلومات لم تكن المناهج كثيفة الأوراق، لكنّها كانت غنية بالقيم، ولم تكن الغاية جمع الشهادات، بل تحصيل العلم النافع، الذي يرقى بالإنسان ويهذّب نفسه
في الماضي، كان المعلّم قدوة قبل أن يكون ناقل معرفة؛ كلماته تُسمع بأذن القلب قبل الأذن، وهيبته تنبع من علمه وتقواه، لا من سلطته الوظيفية وكان الطالب يتعلم الصبر والانضباط مع الحروف، كما يتعلم الخط والكتابة مع القراءة والحساب
أمّا في الحاضر، فقد تغيّر المشهد جذريًا أصبح التعليم محاطًا بالتكنولوجيا، والمناهج صارت إلكترونية، والمعلومة أصبحت على بُعد لمسة شاشة اليوم يمكن للطالب أن يحضر محاضرة في جامعة عالمية وهو في بيته، أو أن يتعلم لغة جديدة عبر هاتفه المحمول وهذا بلا شك فتحٌ كبير، لكنه في الوقت نفسه حمل تحديات جديدة: تشتت الانتباه، ضعف التركيز، وانخفاض دور المعلم كمصدر أساسي للمعلومة
التعليم في الماضي كان يقوم على التلقين المصحوب بالتربية، أما اليوم فهو يقوم على البحث الذاتي والمصادر المتنوعة كلاهما له مزاياه وعيوبه؛ الماضي وفّر العمق في التعلم، لكنه افتقر أحيانًا إلى حرية التفكير النقدي، والحاضر وفّر الانفتاح على العالم، لكنه قد يفتقد العمق والربط القيمي إذا لم يُحسن توجيهه
الطموح الحقيقي هو أن نمزج بين مزايا الماضي والحاضر: أن نحافظ على روح التربية والقدوة التي ميّزت التعليم القديم، ونستفيد من ثورة المعرفة والتكنولوجيا التي يقدمها العصر الحديث عندها فقط يمكن للتعليم أن يؤدي رسالته الحقيقية: بناء الإنسان المتكامل، علمًا وأخلاقًا