أقلام الثبات
شهد فجر اليوم (الجمعة)، توغل قوة "إسرائيلية" إلى داخل بلدة ميس الجبل؛ وصولا إلى الحي الغربي فيها ومحيط البركة. وقامت تلك القوة المعتدية، بتفخيخ وتفجير جرافتين كبيرتين، تعملان لصالح مجلس الجنوب، في إزالة الردم من الأحياء التي سبق أن دمرها العدو. من دون أن تقول لها قوى الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل"، المتواجدة هناك، "محلا الكحل في عينك".
حادثة تتكرر يومياً في الجنوب، ومعها تتكرر أعمال القصف والاغتيال بالطائرات والمسيرات الحربية "ألإسرائيلية"، التي لم توقف عدوانها على طول مساحة لبنان، منذ إعلان وقف إطلاق النار وفق القرار 1701؛ وتسلم الحكومة اللبنانية قرار التعامل مع العدوان "الإسرائيلي" المستمر، المصحوب باحتلال أراض لبنانية، يتوسع على مراحل، منذ أن وجد الكيان "الإسرائيلي" فوق أرض فلسطين، بقرار غربي استعماري، بهدف التوسع والهيمنة وسرقة مقدرات وخيرات المنطقة؛ ومنع شعوبها من العيش مثل بقية الشعوب، بأمن وسلام ورفاهية.
هذا الواقع، يصور مدى فشل خطة العهد الجديد، بإعلان "المقاومة الدبلوماسية"، كبديل عن المقاومة بالسلاح؛ وبرفع شعار احتكار الدولة للسلاح، فأن تدخل قوات الاحتلال إلى هذه البلدة، أو تلك، أمر يتكرر دائماً، منذ العام 1948، لكن كما يقال، لو أنك هاجمت قطة، فإنها لن تتركك من دون أن تخمشك وتجرحك وتدفّعك ثمن عدوانك عليها، فكيف الحال بوطن وشعب وجيش مغلوب على أمره، ممنوع بقرار سياسي، من الدفاع عن نفسه وعن مواقعه التي ينتشر فيها؛ إن لم نقل أن من واجبه الدفاع عن شعبه ومؤازرة كل مواطن يندفع لرد هكذا عدوان، فقرار الحرب والسلم ليس لبنانياً، حتى تحتكره الحكومات المعينة من قبل السفارة الأميركية، بل هو قرار أميركي-"إسرائيلي". وأميركا تحتكر عملية تسليح الجيش اللبناني، فهي التي تسمح وتمنع حصوله على هذا السلاح أو ذاك. وهذا هو سر الأوامر الأميركية للجيش اللبناني، بتدمير كل ما يحصل عليه من سلاح المقاومة.
وفي هذا السياق، لم تتوقف غارات العدو "الإسرائيلي" على مختلف المناطق اللبنانية، من أقصى الجنوب إلى أقصى شمال البقاع. ولا يمر يوم من دون سقوط شهداء، في أعمال يقصد منها "الإسرائيلي" ومن خلفه حاميه وداعمه ومحرضه الأميركي، تركيع لبنان واللبنانيين ليقبلوا بالإملاءات الأميركية، التي تريد فرض إقامة علاقات بين لبنان وكيان الاحتلال. وكذلك تلبية مطالب المحتل، بالتوسع شمالاً للوصول إلى نهر الليطاني؛ ومن ثم إلى نهر الأولي، فالعدو لا يخوض معركة التوسع في احتلال الأرض فقط، بل هو يخوض معركة السيطرة على مجاري الأنهار والمياه العذبة؛ وغداً تمتد مطامعه إلى الينابيع. ومن يتابع ما يجري بسورية حالياً، لن يتفاجأ بوصول قوات العدو إلى مجرى نهر الفرات، فالحديث عن ممر داوود، الذي يعمل العدو على إقامته، أحد أهدافه تحقيق الشعار التوراتي الاستعماري: (حدودك يا "إسرائيل" من الفرات إلى النيل).
كل ذلك يترافق مع وقاحة، إن لم نقل حقارة البعض، في تكرار معزوفة مطالبته بنزع سلاح المقاومة، التي رغم الضربات القاسية التي تعرضت لها من الحلف الأميركي-"الإسرائيلي"-الغربي، تبقى الضمانة بأن جيش العدو لن يدخل العاصمة بيروت مجدداً، بعدما دخلها عام 1982، بطلب من الذين يطالبون المقاومة هذه الأيام بتسليم سلاحها.
والفضيحة الكبرى، التي نقلت عن لسان الموفد الأميركي توم براك، (اللبناني الأصل- قليل الأصل)، (هل تذكرون شبيهه فيليب حبيب اللبناني الأصل، موفد واشنطن عام 1982) بأن المطلوب من المقاومة أن تنزع سلاحها الثقيل فقط، الذي يهدد أمن "إسرائيل". بما يعني أن الأميركي و"ألإسرائيلي" لا مانع لديهما من بقاء أسلحة الميليشيات الحزبية، خصوصاً سلاح قوات سمير جعجع التي قال عنها منذ فترة غير بعيدة، أن تعدادها ستة عشر ألف مسلح، فهؤلاء ضمانة أميركية-"إسرائيلية" لإشعال حرب أهلية في لبنان عند اللزوم.
لذلك، في المحصلة، فإن وجود المقاومة وترميم سلاحها وزيادته، هو ضمانة اللبنانيين، في وجه التوسع "الإسرائيلي" وفي وجه التهديد الأميركي بإعادة تركيب المنطقة، تحت دخان حرائق الحروب الأهلية المشتعلة حولنا، والتي يجد بعض اللبنانيين أن دوره يتعزز عند الأميركي و"الإسرائيلي" من خلال انخراطه فيها.