خاص الثبات
في زمن اختلطت فيه رايات الباطل برايات الحق، ولبس فيه أصحاب الفتن جلود الغيرة والشرف، تطل علينا اليوم دعوات مسمومة تستنفر العشائر العربية في سورية، تحت عناوين "الفزعة للبدو" و"الدفاع عن السنة"، لتُساق الجموع نحو صراع طائفي جديد، هذه المرة ضد مكون سوري أصيل: أهلنا من الدروز.
أيها العقلاء، يا أبناء المجد والنخوة، من أنتم؟ أنتم أبناء القبائل التي كانت رايتها الشرف، لا الفتنة. كانت فزعتكم لرد المظالم، لا لزرع الدم في دروب الوطن. أنتم من إذا استنجد بهم مظلوم، هبّوا له، لا من يُستدرجون باسم "الغيرة على الدين" ليكونوا وقوداً في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
منذ متى صارت الفزعة غطاءً لخطط أمراء الحرب؟ منذ متى صار الدفاع عن الدين هو سفك دماء الجار؟ أليس الجار – ولو اختلف في المذهب – هو من أوصانا به نبيُّنا الكريم؟ فأي شريعة هذه التي تُحرّض على ذبحه؟ وأي نخوة تلك التي تستجيب لنداء فتنة يطلقه أبو محمد الجولاني ومن معه من أصحاب الفكر التكفيري؟
الجولاني لم يكن يوماً نصيراً لأحد، ولا خرج في سبيل الله كما يزعم. بل خرج في سبيل مشروعه الدموي، يسعى لتقويض سورية أرضاً وشعباً، لتغدو ساحاتنا وقوداً لصراعات عبثية، لا تخدم إلا الاحتلال وأعداء الأمة.
ويا للعجب، من يدّعي الدفاع عن "السنة" في سورية اليوم، أين هو من غزة؟ أين نداءاتهم للفزعة من دماء النساء والأطفال في فلسطين؟ أين غيرة الدين من المجازر في رفح، وجنين، ونابلس، وغزة؟ أم أن الجغرافيا التي يخططون فيها ويقتتلون، لا تصل إلى هناك؟
إلى كل شيخ عشيرة، إلى كل حرّ في قبائلنا، إلى كل شاب ما زال قلبه ينبض بالعقل: لا تُخدعوا. لا تبيعوا فزعتكم لمن يستثمر دماءكم. لا تجعلوا من اسم العشيرة سيفاً في يد مشروع يريد أن يُغرق سورية في بحر لا قرار له.
العشائر كانت عنواناً للشهامة، لا أدوات في يد الغرباء. كانت سداً منيعاً في وجه الفتنة، لا وقوداً لها. فلا تشوهوا تاريخاً من العزّ والنخوة، من أجل شعارات جوفاء يرفعها تجار الدم.
الوطن يناديكم أن تكونوا جداراً في وجه الفتنة، لا وقوداً لها. كونوا كما كنتم دائماً: عزّاً لسورية، لا سهاماً في خاصرتها.