أقلام الثبات
احتل مصطلح "دمشق قلب العروبة النابض" موقعاً أساسياً في الأدبيات السياسية للقوميين وحركات المقاومة، وطوال خمسة عقود احتلت دمشق موقع المركز ومحطة تلاقي حركات المقاومة، وكانت مخزن السلاح للمقاومين في لبنان وفلسطين والعراق وملجأ لكل المنفيين والمطاردين من قاده المقاومة او الشعراء والأدباء.
بعد اتفاقيات "كامب ديفيد" التي وقعها أنور السادات واتفاقية "وادي عربا" مع الأردن و"أوسلو" الفلسطينية التي وقعها ياسر عرفات، بقيت دمشق المحطة الوحيدة والأخيرة ،لحركات المقاومة والتي تحمي منجزاتها وتحميها دبلوماسياً وسياسياً وتشارك في صياغة الاتفاقيات والتفاهمات كما كان في تفاهمات "نيسان عام 1996 ،1993 حيث استطاعت دمشق استثمار القوة العسكرية للمقاومة وصمودها سياسياً بتفاهم نيسان الذي أسّس لحماية المدنيين في لبنان مقابل المدنيين في اسرائيل وقد صمد هذا التفاهم طوال 30 عاماً حتى عام 2023.
كانت سوريا آخر ما تبقى من العرب المقاومين بعد سقوط بغداد بالغزو الأميركي وآخر الأبواب التي تغلق طريق إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الأميركي، بالتعاون مع إيران وحركات المقاومة وفي مقدمتها المقاومة اللبنانية وكان لابد من تفجير هذه البوابة ،بما عرف "بالربيع العربي" واستطاعت سوريا ومحور المقاومة الصمود في ساحات القتال طوال 13 عاماً ولم يسقطا حتى تعرّضت المقاومة اللبنانية لضربة قاسية على الرأس، عندما استطاعت إسرائيل اغتيال "السيد الشهيد" الذي وصفته "محور المحور" وأثخنت المقاومة بالجراح ولا زالت تنزف ، فاستغلت أميركا وحلفاؤها ضعف المقاومة "المؤقت" فأسقطت سوريا بعد شهر وقصفت إيران بعد سبعة أشهر!
سقطت سوريا وبدأ الجلادون( أميركا وإسرائيل وتركيا وعرب الخليج يتهاوشون على سوريا الجريحة التي أنهكها القتال وكلٌ يريده اغتصابها لأنها "سبية " له وأخطأت تركيا والعرب الذين افترضوا أنفسهم شركاء وهم الذين موّلوا قتل سوريا وتخريبها ولم يعرفوا ان إسرائيل واميركا يتعاملان معهم على أنهم خدم وعبيد ولا يمكن رفعهم الى مستوى الحلفاء لأنهم "الأغيار" الذين خلقهم "الرب" لخدمة اليهود!
أخطأت تركيا التي خرّبت سوريا وليبيا ومصر وطعنت المقاومة الفلسطينية ،لاعتقادها أن أميركا و"اسرائيل" ستسمحان لها بإعادة بناء الإمبراطورية العثمانية التي فكّكتها الحرب العالمية الأولى وان سوريا ستكون غنيمة لتركيا وأنها تستطيع تنصيب الجولاني رئيساً والهيمنة على الحكم في سوريا ،لكن إسرائيل واميركا ،لا تثقان بأحدٍ من العرب والمسلمين وتعتبرهم "مطايا" و "دواب" سياسية لإنجاز المهمات وتستخدمهم ،كلواء لوجستي يقدّم الخدمات ولا يشارك في القرار السياسي والعسكري .
يهدف القرار الأميركي - "الإسرائيلي" القضاء على أي قوة عربية وإسلامية وتدمير الجيوش الكبرى ،فبعد تدمير الجيش السوري وحلّ الجيش العراقي وتوجيه ضربات قاسية ،لحركات المقاومة وفرض نزع سلاحها استطاعت "اسرائيل" توجيه ضربة لإيران؛ رأس محور المقاومة ولولا اللطف الإلهي، لكادت تطيح بالنظام ،لكنها أثّرت في بنية النظام ومشاريعه مع أن ايران استطاعت في الأيام الأخيرة من الحرب استعادة توازن القوه ،فانتقلت إسرائيل الى تركيا التي خدمت المشروع "الإسرائيلي" - الأميركي ولا زالت تؤمّن ما تحتاجه إسرائيل من غذاء ومحروقات وخدمات ،بالتلازم مع الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين، فأوقعتها إسرائيل في كمين "أمني - سياسي" محكم سقط فيه الدروز والجولاني وتركيا وأصيبوا جميعاً، بخسائر كبيرة، فالدروز انزلقوا الى لعنة التطبيع والعمالة مع اسرائيل لحمايه انفسهم من التوحش التكفيري الذي افتعل المجازر كما فعل بالعلويين، وستدفع تركيا ثمن تجاوزها لحدودها ووظيفتها وستقوم إسرائيل بتقليم أظافرها ويمكن ان تُغرقها بالفتنة العلوية _السنية داخل تركيا وبالحرب التركية - الكردية وستدخل سوريا في مرحلة فوضى وقتال مذهبي وطائفي وقومي على الطريقة الأفغانية والعراقية سابقاً، والليبية والسودانية، لتستطيع "إسرائيل" وأميركا، تنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى" بدماء السوريين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وربما دماء اللبنانيين وفق وحدة المسار والمصير الذي أعلنه المبعوث الأمريكي "برّاك" الذي ربط ساحة لبنان، بالساحة السورية، لفرض التطبيع والسلام مع "إسرائيل".
قبل أن يستلم الحكم الرئيس حافظ الأسد كان متوسط عمر أي نظام او رئيس سوري لا يتجاوز السنة الواحدة ويتم إسقاطه بالانقلاب، وبعد 50 عاماً من الاستقرار والأمان في سوريا ستعود منظومة الانقلابات والفوضى الى سوريا.
سقطت دمشق.. فمات العرب... وسيحكم العراق وسوريا رؤساء من الأكراد، كتعويض عن اقامة دولة كردية مستقلة وتهديدٍ دائم لتركيا.
سقطت بيروت.. فاستعادها المقاومون بمساعدة دمشق وطهران.... من يستعيد دمشق؟
هل من مقاوم سوري يطلق الرصاص في وجه الغزاة؟
