دمشق قريباً تصبح على انقلاب ــ عدنان الساحلي

الجمعة 04 تموز , 2025 10:29 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

​تبدي أوساط أميركية، بين وقت وآخر، تخوفها من اغتيال حاكم سورية الجديد أحمد الشرع، أو "أبو محمد الجولاني"، وهو اسمه السابق خلال ترؤسه "جبهة النصرة" التكفيرية المتطرفة، التي قاتلت مع قوى أكثر تطرفاً منها، تنتشر على الساحة السورية، استعملتها الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وتركيا وقطر وغيرها من دول وقوى لإسقاط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.

المخاوف الأميركية تتقاطع مع تسريبات "إسرائيلية" بأن وقت الجولاني انتهى، ربما مواصلة منها في الضغط عليه ليكمل مسيرة التنازلات السخية، التي قدم فيها للعدو "الإسرائيلي" ما لم يحلم بالحصول عليه خلال 77 عاماُ من عمر الكيان الصهيوني غير الشرعي، حيث أصبح جيشه على أبواب دمشق؛ واستولى على أهم خزان للمياه يحيط بفلسطين المحتلة، في جوف الجولان السوري وجبل الشيخ المحتلين.

​ كما تتقاطع مع كلام الرئيس الأميركي وقادة الكيان "الإسرائيلي"، المزكى من أنظمة عربية طبعت علاقاتها مع هذا العدو، أو تسعى لتطبيعها، مثل المملكة السعودية، بأن سورية في طور الدخول في شبكة الدول المطبعة مع كيان العدو الصهيوني.

​وتأخذ تلك التسريبات بعض الصدقية، من خلال ما تشهده العاصمة السورية من أحداث كثيرة، مثل حادثة أو إشاعة مقتل مفتي سورية السابق، الشيخ أحمد بدر الدين حسون، تحت التعذيب على ايدي متطرفي الجولاني. والتي إنطفأ الحديث عنها، وسط تأكيدها من قبل من أطلقها، فيما نفتها جهات سورية أخرى، تحدثت عن ان لا تاكيد لديها عن مقتل حسون، الذي اعتقل بينما كان ينوي مغادرة سورية، عبر مطار دمشق، لإجراء عملية جراحية في العاصمة الأردنية عمان، رغم أنه كان قد حصل على موافقة مسبقة من السلطات المعنية، فالعصبية المذهبية تقتل أبناء الطوائف الأخرى، لكن قتل المفتي وغيره، في حال تأكيده، يحصل لسبب الخلاف السياسي وليس المذهبي.

​والأخطر كان تفجير كنيسة مار إلياس، في منطقة الدويلعة الدمشقية، المعروفة بتركيبته السكانية المتنوعة دينياً وجهوياً. في تأكيد بأن ما شهده الساحل السوري، قد امتد ليشمل المسيحيين في استهدافه للآخر، غير المنتمي للهوية الدينية لحكام دمشق الحاليين، وكأن القوى التي نفذت عملية التفجير؛ وهي "داعش" حسب إعلام النظام، تريد أن تقول للجولاني:  لقد "فشلتم في حماية التنوع، ولن تبقى دمشق بمنأى عن النيران"، خصوصاً أن تفجير الكنيسة وسط العاصمة السورية، في حي مختلط طائفياً، يحرج نظام أحمد الشرع أمام الخارج، في الصورة الجديدة التي يقدم نفسه فيها بلباسه الغربي، وصوره الملتقطة مع زعماء الدول، بأن المسيحيين، مثل بقية الأقليات الدينية، ليسوا في أمان وأن النظام لا يستطيع حمايتهم. كما يحرجه أمام الداخل السوري، لأنه يؤكد أن الصراع لم يعد سياسياً فقط، بل وجودياً طائفياً ومذهبياً، وهذا سيؤجج التوترات الطائفية؛ ويستدرج ردود فعل انتقامية تزيد من تعقيد المشهد السوري.

​أراد المتطرفون، أو "الدواعش"، باستهدافهم الكنيسة، القول للشرع "إما الإسلام كما نراه نحن، أو الموت، أو التهجير." في تكذيب صريح لما سبق أن قاله الشرع: نحن لا نستهدف الأقليات الدينية؛ والمسيحيون إن عاشوا ضمن ضوابط الشريعة، فهم جزء من مجتمعنا... ولا نمانع ببقائهم." في حين تعتبر القوى المتطرفة على تطرف "الجولاني"، أن الآخر إما كافر أو مرتد: "من لا يُكفّر، يُعتبر مرتداً". وهذا موقف تبنته فصائل مثل "جند الشام" و"تنظيم حراس الدين"، التي اتهمت هيئة تحرير الشام بـ "الانحراف والانبطاح للعلمانيين والصليبيين". وكأنها تخير النظام الجديد وبقية السوريين بالقول: "إما الإسلام السلفي، أو الموت".

​ومن المعروف أن للولايات المتحدة و"إسرائيل" اليد الطولى في دعم وتحريك تنظيم "داعش" وغيره من قوى التكفير والتطرف، حيث تحدثت تقارير غربية عديدة عن أن (ثمة خلايا صغيرة تابعة لتنظيم "داعش"، أعادت تنظيم صفوفها في أرياف دمشق ودرعا. وتعمل على تنفيذ عمليات انتقائية ذات طابع رمزي). وأن المتورط في تفجير الكنيسة "شخص قادم من شمال درعا، بايع تنظيم "داعش" مؤخراً ".

​وبالتالي، من الطبيعي أن التعصب الديني والمذهبي الشديد، الذي تمت رعايته دولياً واقليمياً، ليتفجر في وجه الأسد ونظامه، لا بد أن ياخذ مداه وتكون له إرتدادات في كل الإتجاهات. وما كشفته التحقيقات الأمنية اللبنانية مؤخراً، عن اعتقال مجموعة "داعشية" سورية، ترتبط بـ"الموساد الإسرائيلي"، تكشف عن حصول اختراق عميق "إسرائيلي" للنسيج السوري، تحت شعار الثورة واسقاط الأسد.

​والواضح أن نظام أحمد الشرع، أو "الجولاني"، يضم أجنحة وتنظيمات تكفيرية، تزايد على بعضها البعض في التطرف والتكفير. يختلط فيها "الإيغوري" مع "ألشيشاني" و"الأفغاني" و"التركستاني" مع "القوقازي"، ناهيك عن القوى المحلية والجهوية، منهم التابع لتركيا او للسعودية او قطر او الامارات. ومنهم من يرتبط مباشرة بالأميركي و"الإسرائيلي". زيادة على الكرد وغيرهم، ممن لا يرون مجالا للتعايش مع تطرف ديني.

​هي قوى متنافرة سبق أن تقاتلت فيما بينها. لا يهمها غير تنفيذ الأجندات التي وضعها لها ممولوها. قوى تدعي الإسلام ولا تلتفت إلى ما يجري في فلسطين ولا إلى خطر التدميرالذي يهدد المسجد الأقصى. ولا تهمها حرب الإبادة في قطاع غزة، التي قتل وجرح فيها المحتل "ألإسرائيلي" مائتي الف فلسطيني حتى الأن. بل لا يهمها إحتلال العدو الصهيوني لمعظم جنوب سورية.

 هي قوى متنافرة جمعها العداء للنظام السابق، لكنها مختلفة في كل شيء. وسوف تتقاتل عندما يبدا تنافسها على السلطة ومكاسبها.

​ولو أضفنا كل هذا ، إلى ما تبثه وسائل التواصل من تسريبات "إسرائيلية"، بأن وقت الشرع قد انتهى، تؤكد أن سورية عائدة في كل الأحوال، إلى زمن كان الناس يخاطبون بعضهم في امسياتهم بعبارة: "تصبحون على إنقلاب". تسنى لنظام حافظ الأسد وقفها طول نصف قرن من الزمن، لكن طبيعة الصراعات السورية وتنافس الدول على فرض النفوذ فيها، يجعلها تنقلب على حاكمها بين ليلة وضحاها. الم يقل الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي، للرئيس جمال عبد الناصر، عندما سلمه حكم سورية في دولة الوحدة عام 1958: " أنت لا تعرف ماذا أخذت ياسيادة الرئيس! أنت أخذت شعباً يعتقد كلّ من فيه أنه سياسي؛ ويعتقد خمسون فى المائة من ناسه أنهم زعماء؛ ويعتقد 25 فى المائة منهم أنهم أنبياء، بينما يعتقد عشرة فى المائة على الأقل أنهم آلهة".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل