أقلام الثبات
من السذاجة الواسعة الافق , ان يرى يفسر اي أمرؤ , خصوصاً المحللون في السياسة والاستراتيجيا والامن والعسكريتاريا , ان ما شهده العالم من حرب الاثني عشر يوما بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة ,وربيبتهم "اسرائيل " كراس جسر في الحرب من جهة , وإيران الجمهورية الاسلامية من جهة ثانية, قد انتهت لمجرد الاستجابة لوقف العمليات الحربية المباشرة .
ان الذين بادروا الى العدوان على إيران حددوا اهدافهم الاستراتيجية كقاعدة مركزية للعدوان وهي تتلخص بثلاثة , تدمير المشروع النووي الايراني بكليته , انهاء مشروع تطوير الصواريخ الايرانية التي فاجأت المعتدين بقدراتها , ودقتها غير المسبوقة , وثالثه واهمها ,اسقاط "النظام ", بالضربة القاضية كنتيجة للضربة الاولى المفترض ان تكون صاعقة بعصفها , مع اغتيال ثلة كبيرة من القيادات المرتبطة مباشرة بالملفين الاولين , قادة عسكريون وامنيون وعلماء في المجالين النووي والصاروخي.
بلا شك، الاحتواء السريع لعمليات الاغتيال غير المسبوقة في التاريخ , كان أبرز اعمدة المواجهة, والمبادرة ,بالانتقال فورا الى الرد التصاعدي , سواء كما , او نوعا في الفترة اللاحقة, وهو الامر الذي ادى الى افشال تحقيق المراد الاميركي - الاسرائيلي , والانتقال الى الحديث عن ان مسألة اسقاط النظام , وشكله المستقبلي, بحيث ان يقرره الشعب الايراني , واعلان نتنياهو شخصيا , وكذلك ترامب لاحقا الاستعداد للدعم في سبيل تحقيق هذا الهدف .
كما هو معروف , رغم اجتهادات المرجفين , ان الحروب بنتائجها وفقا المخطط لها , وقد انتهت تلك الجولة العسكرية بتحطم الاهداف الثلاثة , رغم الثمن النفيس , ما جعل اصحاب العدوان بعد تيقنهم بفشل تحقيق تلك الاهداف , الى المبادرة لإعلان وقف العدوان العسكري من دون اي اتفاق , وبلا قيد او شرط , تماما كما حصل في الحرب الاسرائيلية المدعومة اميركيا وغربيا على لبنان عام 2006 .بعد ان تعمقت الازمات الداخلية , واهتراء السردية التي قامت عليها الحرب , واهمها ان الداخل الصهيوني بمنأى عن الاذى .
اما الاسباب الفعلية لوقف العدوان بعد انخراط الولايات المتحدة فيه عسكريا مباشرا, وهي التي شاركت بشخص رئيسها في خديعة سافرة , لا يقوم بها زعماء بل قادة عصابات اجرامية , فهي على وجه اليقين , كالاتي
1- وصول الكيان الغاصب لفلسطين , الى نتيجة انه فشل في حماية المستوطنين , كما المنشآت الحساسة , ويعني ذلك فشل كل منظومات التصدي , كما فشل ادارة الحرب , مضافا اليه الفشل السياسي , والدبلوماسي , في فترة السماح الدولية والاقليمية لإنجاز الاهداف .
2- انخفاض المخزون الحربي الاسرائيلي بما يسمح لاستمرار الحرب وفق الايقاع الاسرائيلي - الاميركي , وهذا الامر كشفه بنفسه الجيش الإسرائيلي الذي طالب بتسريع تمويل صفقات لشراء ذخيرة للطائرات الحربية وصواريخ لمنظومة "حيتس" متوقفة حاليا، بعد الإعلان في الولايات المتحدة عن أن صواريخ "حيتس" في "إسرائيل" توشك على الانتهاء، بسبب استخدامها بشكل كبير في اعتراض الصواريخ البالستية الإيرانية، والمجاهرة بأن تأخير المصادقة على الميزانية التي يطلبها لتمويل شراء صواريخ "حيتس" يؤدي إلى "تقليص استعداداته لجولة قتالية قادمة ضد إيران، التي قد تكون أقرب من التوقعات". ويبلغ ثمن صاروخ "حيتس" واحد 14 – 15 مليون شيكل.
3- خلال مداولات أمنية مغلقة، تم تقديم معطيات حول "فقدان الطائرات المسيرة الإسرائيلية، بتكلفة مئات ملايين الدولارات، والتي سقطت في إيران"، وأنه "يوجد تخوف في الجيش الإسرائيلي من تأخير في البدء بصنعها".
4- اهتزاز الجبهة الداخلية , بحيث ان الملاجئ لم تعد تتسع , كما ان نظام الخدمات اختل الى درجة غير متوقعة في حجمها , مضافا الى ذلك هروب الاستثمارات , واغلاق المطارات والمرافئ التي كان يفر منها السكان الى اي بلد متاح .
لقد ثبت قطعا ان الكيان الصهيوني من دون الغرب , خصوصاً اميركا , هو كيان , ومهما امتلك من قدرات لا يمكنه ان يواجه بمفرده اي قدرة مناوئة , مهما كان حجمه وقلة قدراته , وهذا ما يشهده العالم منذ نحو 18 شهرا في غزة , بالرغم من حرب الابادة , والتجويع والتعطيش , والحصار المطبق , والقتل اليومي بأقذر الاسلحة , الموجودة لدى السفاحين الصهاينة , والمنتجة في مصانع الموت والقتل والتدمير الغربية , وفي مقدمتها الاميركية .
لقد ثبت ان الكيانات المصنعة مهما حازت على الدعم غير المحدود , وبلا شروط يمكن ازالتها بقوة الحق واليقين والارادة , وهو ما يمتلكه اهل فلسطين الاصليين والحقيقيين , بخلاف المستوطنين الذين جرى تنظيم غزاوتهم لأرض ليست ملكا لاي منهم .وبالتالي سقوط نظرية "شعب الله المختار وطموحاته الاجرامية .
ان حرب الاثني عشر يوما , ليست الا معركة في حرب , سوف نرى, وليس بعيدا , وجوها اخرى لها , وهنا يمكن القول ان ما شهده العالم , وهو يحبس الانفاس ليس الا استطلاعا بالنار ومحاولة طرفي الحرب , المعتدي الشيطاني , والمدافع عن الحق بيقين , معرفة القدرات الخفية للآخر, بعد اجهاض اهداف العدوان الثلاثة.
كما ان المعركة كشفت الوجوه الغادرة , والممالئة , والصديقة , واولئك الذين يمنحون تسهيلات عدوانية , لعدو أمتهم ودولهم وممالكهم واماراتهم , من الخليج الى المحيط والتساهل بالشرف والكرامة , استرضاء للباطل المتمثل بأميركا و"اسرائيل"، وايضا المشاركة في التصدي للصواريخ الايرانية التي تضرب الكيان , رغم الاهانات اليومية لزعماء تلك الدول المصطنعة على يد الغرب كرديف مؤازر كي يبقى الاحتلال فوق رؤوسهم وهم مبتسمون .
ان بعض الحقائق الظاهرة للعيان، بعد صمت الصواريخ , ترشد الى ان الانتصارات الوهمية المزمعة , هي انتصارات فارغة بعد استعراضات الانتصارات .سواء في الولايات المتحدة او في "إسرائيل"، كما في الاتحاد الأوروبي، بحيث باتوا يتحدثون بالفعل عن أن إيران لا تزال تمتلك القدرة على صنع قنابل نووية. الأمريكيون يُعربون عمليًا عن شكوكهم علنًا بشأن نجاح أي هجوم على إيران. وهذا كله يُشير إلى أن الحرب لم تنتهِ، بل ستستمر.
في هذا السياق يقول ايهودا باراك , وهو من المع استراتيجيي الكيان , أن بحوزة إيران كمية تزيد عن 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، "التي تكفي من أجل ’إثبات قدرة’ وتسليح عشرة رؤوس حربية (نووية لصواريخ). وهناك أجهزة طرد مركزي لم تتضرر، وخبرة، وعدد كاف من العلماء وكذلك مواقع لا نعلم عن وجودها. ونحن أقوياء جدا، لكننا لسنا قادرين على كل شيء. ويجدر أن نتحلى بالتواضع والاستعداد للفصول (الحروب) القادمة". واللافت ان باراك استبعد أن تقود مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق نووي يفرض قيودا أشد من الاتفاق النووي السابق. "هذا سيكون صعبا، خاصة في أعقاب الخطأ الكبير من جانب دونالد ترامب، الذي انسحب من الاتفاق في العام 2018، بتشجيع من بنيامين نتنياهو. ".وحذر باراك من أنه "إذا لم يحدث تقدما بواسطة المفاوضات، فإننا قد نُزج في حرب استنزاف مع إيران – سلاحنا الجوي مقابل صواريخهم"، وتوقع أن "تدعمنا الولايات المتحدة بواسطة الذخيرة والدفاع أمام الصواريخ، لكن ليس من خلال تدخل هجومي".
ليس مدهشا ما توقعه وحذر منه باراك , الا ان المبهم حتى الان ماذا يمكن ان يحصل لاحقا , على المستوى العالمي بعد تلكؤ الصين وروسيا في المبادرة لإيجاد التوازن السياسي , والانتظار على مقعد المتفرجين وهما يعلمان ان الكفة لو كانت لصالح قوى العدوان لن تكونا بمنأى عن العدوان لاحقا.
بلا شك، سيناريوهات تطبخ الان، سواء باتجاه درب المفاوضات، او دروب الجولة المقبلة من الحرب، التي لا حياد فيها الا للضعفاء في نفوسهم في مواجهة الباطل.