إعلان التطبيع والاستسلام...خوفٌ أم طلب "دويلة درزية"؟ ــ د. نسيب حطيط

الجمعة 27 حزيران , 2025 10:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
لمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين للاجتياح "الإسرائيلي" في حزيران 1982، والذكرى الثامنة والخمسين لنكسة حزيران 1967، فاجأنا  الوزير وليد جنبلاط بمؤتمر صحفي أعلن فيه الانقلاب على تاريخه الوطني ، معلناً باسم حزبه تسليم السلاح بشكل سري؛ دون أن يسمع او يراه أحد (معترفاً انه كان يمتلك السلاح بعد اتفاق الطائف، ويتهم المقاومة بامتلاك السلاح وحدها) ، معلناً انها الخطوة الأولى للتطبيع و الاستسلام  والتوطين، داعياً وناصحاً المقاومة وبقية الأحزاب لتسليم سلاحها والالتحاق به في مسيرة العار، مصدراً أحكاماً قطعية، لا تقبل الاستئناف على مستوى المنطقة.
نصّب الوزير جنبلاط نفسه قاضياً ووكيلاً عن أصحاب الأرض، وولي أمر، داعياً الجميع للاقتداء به، معلناً الأحكام المُبرمة التالية:
- انتصار أميركا و"إسرائيل" قبل أن تنتهي الحرب.
- افتتاح صفحة جديدة على مستوى المنطقة، اسمها "الشرق الأوسط الأميركي الجديد"، و"إسرائيل الكبرى"، وانتهاء المشروع المقاوم. 
- مزارع شبعا كانت وستبقى سورية، نيابة عن الأمم المتحدة، وعن المالكين أصحاب الأرض اللبنانيين، ونيابة عن الحكومة اللبنانية ايضاً، دون ان تكون له صفة.
- انتفاء مهمة السلاح، والاكتفاء بكتابة المذكرات للمقاومين، حتى يستطيع حفظ ادعاءاته بالمشاركة بالمقاومة. 
- إعلان هزيمة المقاومة، ومطالبته ثم مطالبتها بتسليم سلاحها، مما أوقعه بالتناقض؛ فكيف تكون مقاومة مهزومة ولازالت تحتفظ بسلاحها وعديدها وعقيدتها؟
لا يمكن معرفة الأسباب التي دفعت الوزير جنبلاط لهذا الإعلان، فهل هو التحاق بركب الدروز المطبّعين في سوريا وفلسطين، تحت التهديد او الخوف من الانقلاب عليه في الطائفة ،أو طمعا بحجز مقعد لقيادة "الدويلة الدرزية" الموعودة ضمن مشروع تقسيم سوريا والمنطقة، وأنه يبادر لتقديم خدمة كبرى بنزع الصفة اللبنانية عن شبعا، لتأمين "جغرافيا نقيّة على المثلّث اللبناني - السوري - الفلسطيني، لإقامة الدويلة الدرزية، مع معرفته أنه في حال تأسيس هذه الدويلة فستكون قيادتها للدروز "الإسرائيليين"، نتيجة ثقة "اسرائيل"، بهم بعد قتالهم في جيشها منذ تأسيس الكيان؟!
افتعل الوزير جنبلاط منفرداً، وبدون مبرّر، "7 أيار"  سياسي جديد، وأكثر خطراً مما سبقه، وانتقل بشكل مفاجئ من جبهة المقاومين الوطنيين الى جبهة المطبّعين والمستسلمين والمؤيدين للتوطين، والتحق بجبهة القوات والكتائب الذين سبقوه، بشكل علني، قبل أكثر من 50 عاماً، وكان باستطاعته التزام الصمت والحياد والانتظار على "التل" حتى تضع الحرب أوزارها، ليعرف المُنتصر، فيلتحق به كما هي العادة، ولم يكن مضطراً لرفع رايه التطبيع العلني، والذي لم يجرؤ عليه حتى اليمين المسيحي بشكل واضح.. والأكثر استغراباً مطالبته بتسليم السلاح مجاناً، بدون أي مقابل سياسي او ضمانات أمنية، وهذا أفشل انواع العمل السياسي .
لو افترضنا اننا وافقنا على تسليم السلاح - مع التأكيد ان ذلك لن يحصل - فهل من عاقل يتنازل عن سلاحه قبل انتهاء الحرب؟ بدون مفاوضات تؤمن مقابل تسليمه ثمناً سياسياً وأمنيا واقتصاديا؟ 
يعرف الوزير جنبلاط، كما نعرف جميعاً، أن الحرب لم تنته بعد، ومن المبكّر اعلان انتصار "إسرائيل" وهزيمة المقاومة، فالحرب في غزة لم تنته، ولا زالت المقاومة تقاتل، والمقاومة في لبنان لازالت قادرة على القتال، وفي الحد الأدنى منع سقوط لبنان بالقبضة الأميركية، وتقييد حركة وتصاريح السياسيين المطبّعين، ولازالت تتحمل غدر العدو، بانتظار الوقت المناسب للرد.
لم تنته الحرب مع إيران التي دخلتها لأول مرة، بعدما استسلم العرب وتحالفوا مع "إسرائيل".
لم تنته الحرب مع اليمن، الذي صار أحد دول الطوق والمقاومة.
ان الوطنيين المقاومين من الدروز اللبنانيين والسوريين لن يرضوا بالتطبيع، وكما أن هناك بعض الشخصيات التي ترفع راية التطبيع، فإن القوميين والشيوعيين والوطنيين الدروز كانوا مقاومين، وسيبقى رفاق سمير القنطار وأحفاد سلطان باشا الأطرش يمنعون تلويث تاريخ الطائفة من ارتكاب جريمة التطبيع والتوطين والاستسلام.
نتمنى ان يكون هذا التصريح ساعة "تخلٍّ" وخوف وألا ينتحر الوزير جنبلاط سياسياً وينتهي مطبّعا ومستسلماً..
إن المقاومين اللبنانيين، خصوصاً الشيعة، لن يستسلموا ولن يسلّموا سلاحهم دون ضمانات بديلة وموثوقة مع عدو ماكر ومخادع.
لم تنهزم المقاومة وطائفتها، ولسنا طائفة يتيمة أو أرملة تستجدي شفقة الآخرين، ونكرّر مع الإمام الصدر: "لا نقبل ان يبتسم لبنان وجنوبه متألماً".. ولا نقبل ان يستسلم لبنان ونحن أحياء.
نطالب كل الوطنيين؛ أفراداً وأحزاباً وسياسيين، عدم الصمت، وإدانة هذا الموقف، ووجوب التراجع عنه...
الصمت موافقة وتأييد.. وخيانة للشهداء.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل