أقلام الثبات
طوال عشر سنوات بقيت "إسرائيل" تهدًد بقصف المنشآت النووية الإيرانية ،ولم تتجرأ ،إما خوفاً من المقاومة في لبنان، او نتيجة الضغوط الأمريكية الرافضة خوفاً من المقاومة والرد الإيراني، لكنها بعد أشهر من اغتيال "السيد الشهيد" وإنزال ضربات قاسية بالمقاومة ،أدت الى تحييدها وتقييدها مؤقتاً ،تجرأت أميركا و"اسرائيل" وقصفتا المنشآت النووية، وكادتا أن تنجحا بإسقاط النظام، لولا لطف الله ورعايته.
هذا التوصيف لمسار الأحداث لا يهدف إلى مديح المقاومة او التقليل من قوة الجمهورية الإسلامية، بل توصيف لواقع عبّر عنه "ملك إسرائيل" نتنياهو عندما قال: "قمت باغتيال نصر الله لفتح الطريق الى طهران ، لأنه محور المحور"، وفي الشهر التاسع "لاغتياله" بادر التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" بالهجوم على إيران في الليلة السوداء للانقلاب وإعلان ولادة "إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الأميركي الجديد" من رحم إسقاط النظام وولاية الفقيه في إيران، التي استطاعت قطع "حبل السرة" وقتل الجنين "الإسرائيلي" - الأميركي الدجّال.
عندما نزفت المقاومة سقطت سوريا خلال شهر وقُصفت طهران، لكن المقاومة لم تمت بعد، بل تداوي جراحها البليغة والعميقة؛ عسكرياً ونفسياً ومعنوياً، ولن يطول الزمن حتى تنهض ثانية بإذن الله سبحانه وتعالى، وهذا ما يُقلق أميركا و"إسرائيل" ويخيفهما ويجعلهما في دائرة القلق والخوف على ما أنجزوه من انتصارات وما غنموه، ولذلك فهم يصرّون على اجتثاث المقاومة من جذورها؛ في عملية تضليل وخداع ذكية وخبيثة ، لقتل المقاومة فرداً فرداً حتى اغتيال المشروع والفكر المقاوم ،فتضلّل اللبنانيين وتخدعهم بأن المطلوب رأس المقاومة الشيعية لتحييد الطوائف، ثم تضلّل وتخدع بعض الشيعة وتوهمهم بأن المطلوب "رأس الحزب" دون غيره، ثم تخادع الحزب وتوهمه بأن المطلوب "رأس المقاتل" الذي يحمل أو ينقل السلاح او يصنّعه، لكنها في الحقيقة اغتالت المقاوم الأعزل في سيارته وفي بيته، وقتلت صاحب الفرن الصامد، وقتلت الراعي، ثم اغتالت الصرّاف وأولاده دون محاكمة، واغتالت الإعلاميين، وستغتال الإعلامي او المثقف الذي يكتب مقالاً مؤيداً للمقاومة، والطبيب الذي يداوي الجرحى المقاومين، وستغتال بائع الخبز والفلاح الذي يزرع أرضه بتهمة مساعدة المقاومين بزراعة أشجار تظلّلهم او حقل قمح يختبؤون فيه، وعندما تنتهي من المقاومة وأهلها ستتوجه نحو بقية اللبنانيين، وتفرض عليهم التطبيع والسلام والاستعباد لخدمتها لأنهم "أغيار".
مفاوضات وقف النار التي ستبدأ بين إيران وأميركا يجب أن تشمل جبهة لبنان، لحماية لبنان وإيران ومحور المقاومة، أما إذا انتصر أصحاب شعار "إيران أولاً" فإن الخطر سيتهّدد إيران أولاً، ولبنان أولاً، وبقية محور المقاومة أولاً، لأن أي ضعف للمقاومة في لبنان سَيُغلق أبواب لبنان "الجيو-سياسية" أمام إيران، وقد بدأت مؤشراته ووقائعه بمنع الطيران الإيراني واستدعاء السفير الإيراني إلى الخارجية اللبنانية، ومنع مساعدات الإعمار ،وصولا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية؛ كما حصل سابقاً ، وإذا تم استبعاد حماية جبهة لبنان في المفاوضات فستكون سفارة ايران في بيروت "مخلّعة الأبواب" ومهجورة، كما هي سفارة إيران في دمشق، بعدما كانت السفارة المركزية في سوريا، وستتبعها كل السفارات الإيرانية في العالم العربي.
لابد من الاستفادة من "حرب الإسناد"، وتثبيت معادلة الحماية المتبادلة بين المقاومة وإيران، ومن ثوابتها عدم الدخول في الحرب إلا بالشراكة بينهما، ووفق امكانياتهما وقدراتهما وحدود مسؤولياتهما الشرعية والإنسانية.
لسنا مغامرين ولا نادمين، لكننا أهل العقل والموضوعية والحكمة والشجاعة والقتال وفق الحكم الشرعي، وليس وفق القرار السياسي... حتى النصر او الشهادة.
عندما نَزفت المقاومة... قُصفت طهران ــ د. نسيب حطيط
الخميس 26 حزيران , 2025 11:44 توقيت بيروت
أقلام الثبات

