أقلام الثبات
انتهت الحرب الإيرانية - "الإسرائيلية" العلنية مؤقتاً مع استمرار الحرب الأمنية على إيران؛ كما كانت قبل الهجوم "الإسرائيلي" المباغت، والذي كان غطاءً لعملاء الموساد وأميركا لتنفيذ عمليات الاغتيال والتفجيرات والقصف بواسطة مئات الطائرات المسيّرة التي كشفت عن وجود "دولة الموساد" داخل الدولة الإيرانية؛ وفق ما نشرته أجهزه الأمن الإيرانية حول القدرات العسكرية والأمنية الكبيرة لعملاء "إسرائيل" وأميركا، الذين شكّلوا "القوة المسلّحة الرابعة" في إيران، بعد الجيش والحرس الثوري والبسيج على كل الجغرافيا الإيرانية، وداخل مؤسسات الدولة وخارجها، في تكرار متطوّر لنموذج "جبهة النصرة" في سوريا لإسقاط النظام في إيران من الداخل دون غزوٍ أو احتلال!
تقوم الاستراتيجية الأميركية الجديدة على منظومة "الحروب البديلة"، دون التدخل المباشر بالغزو او الاحتلال ،بل بقيادة العمليات العسكرية والسياسية، وتكليف العدو "الإسرائيلي" بالمهام الميدانية، والذي يعاني من قلّة العديد البشري والجغرافيا الصغيرة، فيتم الاستعاضة عنها بالحرب الأمنية وتجنيد الأفراد والجماعات والأحزاب، وربما الطوائف والمذاهب، لتكون "إسرائيل" المنسّق والقائد لعمليات المعارضة في كل بلد، وهذا ما يطرح أسئلة متعدّدة عن الأسباب التي تدفع أي مواطن او جماعة او مذهب او طائفة للاستعانة بالأعداء للانقلاب على أنظمتها وقتل مواطنيها وجيشها..
لابد للأنظمة، وحتى حركات التحرر، من دراسة مجتمعاتها وسلوكياتها، ومستوى الانتماء العقائدي والديني لأفرادها ،لاستكشاف أسباب الخيانة والعمالة، مقابل مئات من الدولارات، او علاقة غير أخلاقية لا تبرّر ان يبيع الإنسان دينه وأخلاقه ويقتل أهله..
أظهرت الحرب على لبنان وايران تفوّق التحالف الأميركي - "الإسرائيلي معلوماتياً وتكنولوجياً، ونجاحه في استثمار أعدائه كعملاء - عن غير قصد او خيانة - بكاميرات بيوتهم ومؤسساتهم وشوارعهم وهواتفهم التي تنقل له تفاصيل الحياة اليومية لكل شخص او جماعة ،مما فتح له الأبواب لعمليات الاختراق الأمني البشري والتكنولوجي والمعلوماتي لفترات زمنية طويلة ،وتمدّد الأخطبوط الأمني عمودياً وأفقياً، مما سهّل توجيه ضربات قاسمة أطاحت بتعب وتحضيرات عشرات السنين من الإعداد والتجهيز الصادق والمخلص، وفجّرته "إسرائيل" بساعات معدودة!
لم تنته الحرب على إيران، إنما هي "هدنة خداع" ومناورة والتقاط انفاس، لإعادة تنظيم الأوضاع والتخطيط للمحاولة الثانية من الحرب، بعد ان تفاجأت "إسرائيل" وأميركا بحجم القدرات العسكرية الصاروخية الإيرانية، وفشل اغتيال المرشد، والذي شكّل نقطة التحوّل السلبية للمشروع في ليلة" الانقلاب السوداء" في طهران.
أظهرت الحرب على لبنان وإيران دور العمل الأمني المركزي في الحروب الجديدة بعد التطور التكنولوجي، وأكّد على وجوب تقديم العقل والفكر على اللياقة البدنية والاستعراض والتصريحات، ووجوب كشف "الأنفاق الأمنية" داخل حركات التحرر ودولها، قبل حفر الأنفاق للصواريخ الدقيقة ،لأن المخابرات المتعدّدة الجنسيات، بقيادة المخابرات الأمريكية، ستكمل حربها الأمنية ،لإعادة ترميم شبكة العملاء التي تعرّضت للتفكيك والاعتقال، بالتلازم مع استكمال عمليات الاغتيال للقيادات الأمنية والسياسية، وتخريب وتفجير المنشآت الاقتصادية الأساسية، لمشاغلة النظام، لتأخير أعمال ترميم منظومة الدفاع العسكرية.
أهم نقاط الضعف التي يعاني منها محور المقاومة، خصوصاً في لبنان والعراق وإيران ،الثغرات الأمنية والانكشاف الأمني وعدم تغيير سلوكيات القيادات، وحركات المقاومة التي لا زالت تمارس فعالياتها وحركاتها وفق نفس الأسلوب الماضي، دون تغيير جوهري، فتعرض احتفالاتها و تنقل صور تقبّل العزاء او مجالس العزاء او ليالي رمضان على الشاشات، ما يساعد المسيّرات بتصوير الوجوه، ولا زال أفرادها يُظهرون هويتهم بقبّعاتهم المميّزة او بطريقة لباسهم، وكذلك الحقيبة التي يحملونها، ولم يطفئوا حتى اللحظة "كاميراتهم القاتلة"، حتى في مجالس العزاء او الدعاء او اثناء زيارة العتبات المقدّسة، دون معرفة ما هي الفائدة، ما دام الله سبحانه وتعالى يعلم ويرى.
الحرب الأمنية "الإسرائيلية"، وبالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الغربية والعربية، ستستمّر للتحضير للحرب القادمة، والأشهر القادمة أخطر مراحل الحرب لاغتيال قادة المحور ومفاصله القيادية الرئيسة، ويمكن تسمية هذه الحرب حرب "قطع الرؤوس"، فلأول مرة يتم اغتيال أغلب قيادات حركات المقاومة وإحداث "حفرة قيادية" تقسم تاريخ حركات المقاومة الى نصفين، وتقطع الاستمرارية بين مرحلتين، وعدم حصر الاغتيالات بالقيادات والعناصر العسكرية، بل تطال كل من يساعد المقاومة من الصرّافين والإعلاميين والكتّاب والأطباء و ...
لإعادة إحياء العقل الأمني وتغيب الاستعراض الإعلامي، والعودة الى جوهر ومفهوم "حرب العصابات" ومنظومة "لسع الدبابير" العسكرية، والتخلي عن حركات المقاومة المُقلّدة للجيوش الكلاسيكية، وتفعيل نظام "الإثراء غير المشروع" للمقاومين، خصوصاً القيادات، وتأميم ممتلكاتهم.
تجميد الحرب العلنية... لاستكمال الحرب الأمنية _ د. نسيب حطيط
الأربعاء 25 حزيران , 2025 09:54 توقيت بيروت
أقلام الثبات

