خاص الثبات
في معادلة الصراع الطويل بين محور المقاومة والاحتلال الصهيوني، تبدو الحرب -مهما كانت أدواتها وأطرافها- كأنها تدور في اتجاه واحد: اختبار الصبر والصمود.
وحين تطول الحروب، لا يبقى في الميدان إلا من يعرف كيف يصمد، لا من يملك أكثر الطائرات أو أحدث الأنظمة الدفاعية، بل من يملك الأرض.. ومن تنتمي له الأرض.
وهنا يتجلى الفارق الجوهري بين إيران والكيان الصهيوني:
إيران، أمة بُنيت على إرث حضاري عمره آلاف السنين، عاصرت الممالك وسقطت وقامت، خاضت حروباً دموية وحصارات خانقة، لكنها لم تسقط.
أما "إسرائيل"، فهي مشروع استعماري عمره بالكاد ٧٧ عاماً، قفز إلى الجغرافيا فوق دماء شعبها الأصلي، وما زال حتى اليوم يُبقي نفسه على قيد الحياة عبر الدعم الخارجي والآلة الإعلامية الغربية، لا أكثر.
إيران: شعب ينتمي إلى الأرض
في لحظات الحرب، عندما تُقصف طهران، لا يفرّ أهلها عبر البحار، بل يتجهون نحو العمق؛ نحو الأهل في أصفهان، شيراز، تبريز، مشهد، كرمان.
فالبلد بلدهم، والتاريخ تاريخهم، وجذورهم تضرب في هذه التربة منذ فجر الزمان.
لا يملكون "خطة خروج"، ولا جوازات احتياطية لأوطان بديلة.
إنهم يعرفون كيف يصمدون، لا لأنهم أقوياء فقط، بل لأن لا خيار أمامهم إلا الصمود.
والأهم: هم مؤمنون بأنهم أصحاب حق، وأن كرامة الأمة لا تُشترى ولا تُستورد.
الكيان المؤقت: دولة بلا جذور
أما مستوطنو تل أبيب، فهم يعلمون -في قرارة أنفسهم- أنهم طارئون.
جاؤوا من روسيا، أوكرانيا، فرنسا، إثيوبيا، أميركا وبولندا، على وعد توراتي مشكوك فيه، مدعوم بالبوارج البريطانية في البداية، ثم بالطائرات الأمريكية لاحقاً.
في أول امتحان وجودي، كما في "أيار 2021" أو "طوفان الأقصى"، رأيناهم يهرعون نحو المطارات والملاجئ، وبعضهم يُجهز حقائبه للعودة إلى حيث جاء.
إنهم يعرفون أن هذه الأرض لا تُحبهم، وأنها لم تحتضنهم يوماً، وأن بقائهم عليها مرهون بقوة السلاح فقط.
فأي مقارنة تُعقد بين أصحاب الأرض، وبين لصوص الليل؟
الحرب طويلة.. فمن يحسمها؟
حرب الاستنزاف لا تُحسم بالساعات ولا بالقنابل الذكية. تُحسم بالنَفَس الطويل، بالذاكرة، بالإيمان بالقضية، وبالقدرة على تحمل الضربات دون أن تنكسر.
إيران، رغم ما تتعرض له من حصار اقتصادي، وشيطنة إعلامية، وعقوبات خانقة، لم ترمِ الراية يوماً، بل زادت من دعمها لحركات المقاومة، وأكدت بوضوح أن تل أبيب كيان زائل.
بينما الكيان المؤقت، لا يحتمل سنوات بلا حرب، فكل مواجهة تُعيد التذكير بحقيقته الهشة، وبأن البقاء فوق الأرض لا يعني أنه ينتمي إليها.
التاريخ لا يرحم الكيانات الطارئة
الإمبراطوريات لا تُقارن بالمستعمرات المؤقتة.
إيران، التي وقفت على مدى التاريخ أمام روما، واليونان، والتتار، ثم الروس والبريطانيين والأمريكيين، قادرة على أن تبتلع حصاراً آخر، وتواجه حرباً أخرى.
لكن هل "إسرائيل" قادرة على تحمّل عقد آخر من المقاومة، من الأنفاق، من الطائرات المسيّرة، من كابوس العودة إلى الشتات؟
الجواب، يعرفه ساستهم، ويكتمه إعلامهم.
النهايات تُكتب لمن يصمد
عندما تشتد المعركة، يهرع الزائفون إلى الملاذات، وتبقى الشعوب الأصيلة في الأرض، تُقاتل لا لأجل النظام أو السلطة، بل لأجل البقاء والكرامة والتاريخ.
ومن كانت له جذور، سينتصر في النهاية، ولو طال الطريق.