خاص الثبات
لا أحد، حتى داخل أروقة صنع القرار في طهران، يملك معلومات دقيقة ومؤكدة حول طبيعة وتوقيت الرد الإيراني على العدوان الأميركي الأخير. لكن ما هو ثابت وواضح أن الرد قادم لا محالة، وأن الزمن وحده هو الذي يفصل بين لحظة العدوان ولحظة الحساب. فإيران، التي لم تتردد في الرد على العدوان الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، كانت تعلم جيدًا أنها تخوض مواجهة غير مباشرة مع الولايات المتحدة. واليوم، تجد نفسها أمام تحدٍ أكبر: الرد المباشر على أميركا نفسها.
الولايات المتحدة، بعقيدة عدوانية ثابتة، تتعامل مع منطقة الخليج كأنها ملعبها، وتستهين بسيادة الدول وشعوبها. العدوان الأميركي الأخير ليس حدثًا منفصلًا، بل امتداد لسلسلة من التدخلات والاغتيالات والعقوبات ومحاولات الحصار. ومع ذلك، إيران أثبتت دائمًا أن صبرها ليس ضعفًا، وأنها تعرف متى ترد وكيف ترد، بطريقة تحفظ هيبتها وتخلط أوراق أعدائها.
في الأيام الأخيرة، برز تصريح من أحد أعضاء البرلمان الإيراني حول "استقرار" المجلس على خيار إغلاق مضيق هرمز، كإحدى أوراق الرد. ورغم أهمية هذا التصريح سياسيًا وإعلاميًا، من الضروري أن نفهم السياق المؤسسي والدستوري داخل إيران:
القرار لم يصدر عن رئيس المجلس أو هيئة رئاسة البرلمان، بل عن عضو برلماني لا يمثل السلطة التنفيذية داخل البرلمان.
القرارات الاستراتيجية، خصوصًا ما يتعلق بالممرات المائية الدولية، تقع ضمن صلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يضم ممثلين عن كل السلطات السيادية.
هذا المجلس وحده يملك سلطة اتخاذ أو إلغاء مثل هذه القرارات، ولا يعلو عليه في ذلك إلا قرار القائد الأعلى.
ما لم يصدر قرار الإغلاق بصيغة قانون مصادق عليه، فهو لا يعدو كونه ورقة ضغط سياسية لا تمتلك البعد الإجرائي.
البرلمان – في ظل الحسابات العسكرية والأمنية – ليس الجهة التي "توافق" أو "ترفض" هذا النوع من الردود، بل يُستأنس برأيه في أحسن الأحوال.
رغم كل ذلك، فإن مجرد تداول فكرة إغلاق مضيق هرمز يعكس أمرين لا يمكن تجاهلهما:
أن إيران تمتلك خيارات قاسية واستراتيجية، وتستطيع أن تعيد رسم معادلة الأمن في الخليج بضغطة زر.
أن واشنطن، رغم صلفها، تعرف أن أي تصعيد أكبر قد يُدخلها في مواجهة مفتوحة لن تكون كسابقاتها.
إغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو 20% من تجارة النفط العالمية، خيار متاح، لكنه مستبعد في المدى القريب. ليس لأن إيران تفتقر إلى الجرأة، بل لأنها تجيد اللعب بالوقت والأدوات والسياسة. الرد الإيراني سيأتي في الزمان والمكان الذي تختاره طهران، وليس الذي تختاره البنتاغون أو البيت الأبيض.
إن استهداف إيران المتكرر من قبل الولايات المتحدة لا يعكس فقط نزعة عدوانية، بل أيضًا إفلاسًا استراتيجيًا، ومحاولة يائسة لتعويض فشل أدواتها التقليدية في تطويع محور المقاومة. لكنها اليوم أمام معادلة جديدة: إيران مختلفة، صلبة، مجرّبة، وشعبها ملتف حول سيادته الوطنية رغم كل الضغوط.
وفي النهاية، لن تكون واشنطن هي من يقرر متى وكيف ترد طهران، بل ستكون في موقع من ينتظر الرد ويخشى توقيته وشكله.