أقلام الثبات
بعد ساعات من القصف الأميركي لإيران، وبعد دقائق من سقوط الصواريخ الإيرانية على وسط "إسرائيل"، مستوطن "إسرائيلي" يهرول مع عائلته داخل إحدى محطات "المترو" يتساءل: هل هذا هو الأمان الذي يحمله إلينا بنيامين نتانياهو؟ إنه عاجز عن إنقاذ الرهائن على بعد أمتار في قطاع غزة، هل سيأتينا بهم الآن من طهران؟
وفيما قلل خبراء من أهمية الضربة الأميركية على برنامج إيران النووي، نقلت "الإيكونوميست" عن بعضهم، أنه من المستحيل تدمير موقع "فرودو" بغارات جوية، كذلك نقلت "رويترز" عن مسؤول أميركي عدم ثقته بأن هذه الضربة قد قضت على هذا الموقع تحديداً، فيما قال الضابط السابق في سلاح المارينز سكوت ريتر لقناة الميادين:
"ما قام به ترامب في إيران هو عمل استعراضي، وهي تظاهرة مسرحية لم تحقق أي شيء يُذكر، والولايات المتحدة كانت وضعت خططاً لتوجيه ضربة نووية لإيران تقضي على كل شيء، لكن نشكر الرب أنها لم تحصل، وإسرائيل تخسر هذه الحرب لأنها لم توجه ضربة حاسمة لإيران".
في المواقف الأولية لما بعد العدوان الأميركي على إيران، أطلّ الرئيس دونالد ترامب ليعلن بكل ثقة، أن "إسرائيل الآن باتت أكثر أمناً"، ولم تمضِ ساعة على إطلالته حتى انهمرت الصواريخ الإيرانية على وسط "إسرائيل".
وفي إطلالة ثانية بعد ساعات من الأولى، دعا ترامب إلى "جعل إيران عظيمة مجدداً"، وإذا كان النظام الحالي عاجزاً عن جعلها عظيمة، تساءل ترامب: "لماذا لا يتم تغيير النظام"! هذا الكلام "الارتجالي" والانفعالي أثار موجة استياء في الداخل الأميركي بين أوساط الجمهوريين قبل الديمقراطيين، وأبدى المراقبون تخوفهم من إهمال ترامب للشؤون الداخلية التي انتُخب من أجلها لولاية ثانية، وأن يكون صانع حروب لا تعني الشعب الأميركي بشيء.
بدوره أطلّ بنيامين نتانياهو بعد ساعات من هذا العدوان ليشيد بالجيش "الإسرائيلي"، وبالتعاون الجيد مع الإدارة الأميركية والرئيس ترامب شخصياً، لكن اللافت في كلام نتانياهو كان التنويه بتعاون الشعب "الإسرائيلي" في هذه المحنة، وأنه قبل عشرة أيام ذهب للصلاة أمام "الحائط" ووضع داخله ورقة "الأسد الناهض"، وهي تسمية العملية ضد إيران، ثم ذهب يوم الأحد برفقة زوجته إلى ذلك "الحائط" ووضع داخله ورقة "شعبنا نهض"، وتجاهل نتانياهو نزوح مستوطنيه إلى الخارج، سواء إلى قبرص أو مصر أو الأردن، وأن ثلث "إسرائيل" بات يحمل بصمات الصواريخ الإيرانية.
إيران أعلنت بكل هدوء أن كامل إنتاجها من اليورانيوم العالي التخصيب تمّ نقله سابقاً إلى أمكنة تخزين آمنة، وأنها لن تأبه لكل ما أوردته وسائل الإعلام حول نتيجة الضربات الأميركية لمواقعها النووية، وأن المجلس القومي الإيراني وهيئة الطاقة الذرية الإيرانية يتوليان إعداد تقريرٍ شامل عن الأضرار ليُبنى على الشيء مقتضاه، علماً أن رصد 16 شاحنة بالقرب من منشأة "فرودو" بتاريخ 19 الشهر الجاري، أي قبل ثلاثة أيام من العملية الأميركية، يعزز من فرضية نقل مخزون اليورانيوم وبعض الأجهزة الدقيقة من موقع "فرودو".
وكان اللافت في كلام نتانياهو للشعب "الإسرائيلي"، أن العمليات ضد إيران ستساعد على إنهاء الوضع في غزة، وتحقيق النصر فيها.
وهنا يتساءل الإعلام "الإسرائيلي" عن مدى العلاقة بين الحرب مع إيران والعدوان على غزة، وعن ماهية تحقيق الانتصارات "الإسرائيلية" و"فتوحات جيش الدفاع" من أجل شرق أوسط جديد، فيما عقدة أمان الشعب "الإسرائيلي" باقية في غزة والضفة الغربية، حيث حماس ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية تتغلغل وسط مليوني فلسطيني في القطاع، وخمسة ملايين في الضفة الغربية، وأين هو "اليوم التالي" الذي ابتدعه نتانياهو لتسوية وضع غزة ما بعد الحرب، فلا هو قادر على إدارة القطاع ولا الدول العربية المُطبِّعة مع "إسرائيل" وافقت على المشاركة في إدارة القطاع ما لم تشاركها السلطة الفلسطينية في هذا الشأن؟
النقطة الأخيرة، أن مشهدية نزوح أبناء غزة والضفة عن أرضهم قد فشلت، وأفشلت معها خطط نتانياهو وترامب لتهجيرهم، وبدلاُ من ذلك، نزح عشرات آلاف اليهود من فلسطين المحتلة خلال عشرة أيام من المواجهة مع إيران، وانقلبت الآية على رأس نتانياهو، وباتت الأولوية الآن استعادة من هربوا من يهود "إسرائيل" قبل أي بحث بوضع الفلسطينيين غير القابلين بالنزوح سوى من أرضهم الى أرضهم.