خاص الثبات
لم يكن قصف الولايات المتحدة لمفاعلات نووية إيرانية، بضغوط وبتنسيق مباشر مع الكيان الصهيوني، مجرد عمل عسكري محدود أو تكتيكي. لقد كان مقامرة سياسية وعسكرية كبرى، أرادت من خلالها واشنطن فرض وقائع جديدة على الأرض، وإرسال رسالة "ردع" إلى إيران. لكنها سرعان ما تحولت إلى ضربة مرتدة قاسية أفقدت واشنطن توازنها، وأظهرت هشاشة السردية الأميركية التي طالما تغنّت بـ"الردع" و"الهيمنة".
ففي غضون ثلاث ساعات فقط على العدوان الأميركي الغادر، جاء الرد الإيراني مدويًا، دقيقًا، وحاسمًا. صواريخ باليستية ومجنحة دكّت أحياءً كاملة في تل أبيب، وعطّلت البنية التحتية للمدن الصهيونية الكبرى، في مشهد قلب المعادلة التي حاولت أميركا فرضها. وإذا كان الهدف من الضربة حماية "إسرائيل"، فإن النتيجة جاءت معاكسة تمامًا: تل أبيب احترقت، وأميركا فقدت ما تبقى من هيبتها.
سردية الحماية تنهار
منذ عقود، تبني واشنطن خطابها على أنها الضامن الأمني الأوحد لـ"إسرائيل"، وأنها تملك القدرة على تحييد كل تهديد في المنطقة. لكن هذه الحادثة كشفت ضعف هذا الخطاب. الضربة الإيرانية لم تكن فقط انتقامًا مشروعًا، بل كانت إعلانًا عن دخول المنطقة في مرحلة توازن ردع غير مسبوقة. لقد باتت تل أبيب في مرمى النيران، ولم تعد المظلة الأميركية قادرة على حمايتها.
التوقيت والرسالة
اختارت أميركا التصعيد في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، ظنًا منها أن إيران ستتردد أو تحسب ردّها بدقة لتتجنب التصعيد. لكن ما حدث هو العكس تمامًا: الرد الإيراني كان أسرع مما توقع الأميركيون، وأقوى مما احتمله الكيان الصهيوني. الرسالة كانت واضحة: زمن الإفلات من العقاب انتهى، واليد التي تُمدّ لإيذاء إيران لن تنجو من الرد.
إيران: الدولة السيّدة التي لا تُبتز
لقد أثبتت إيران مرة أخرى أنها دولة ذات سيادة كاملة، وأنها قادرة لا فقط على امتصاص الضغوط، بل على إعادة تشكيل موازين القوة. هي ليست طرفًا ضعيفًا في معادلة الشرق الأوسط، بل مركز ثقل إقليمي يملك القدرة على الردع، وعلى اتخاذ القرار من موقع قوة لا من موقع ضعف.
وبينما تتخبّط الإدارة الأميركية في محاولة تبرير فشلها، يُعيد قادة الكيان الصهيوني حساباتهم بعد أن رأوا عن قرب حجم العجز الأميركي أمام الردّ الإيراني، وحجم الثمن الذي يمكن أن يدفعوه عندما تتجاوز وقاحتهم حدود الاستفزاز.
الهيمنة تسقط، والمقاومة تنتصر
ما حدث لم يكن مجرد تبادل ضربات. إنه تحوّل استراتيجي كبير: أميركا لم تعد قادرة على حماية حلفائها، و"إسرائيل" لم تعد قادرة على لعب دور المعتدي الآمن. المعادلة الجديدة تقول إن لكل فعل ثمنًا، وأن محور المقاومة، وفي طليعته الجمهورية الإسلامية، بات هو الرقم الصعب في معادلة القوة في المنطقة.
لقد فشلت أميركا، وخسرت "إسرائيل"، ورفعت إيران رأسها عاليًا في زمن الانكسارات.