أقلام الثبات
تخوض الصهيونية العالمية، برعاية الماسونية، حرباً على الأديان والقيم الأخلاقية، ونجحت في تدمير المسيحية الأصيلة وسجنها داخل جدران الكنيسة، ولقّحت الإسلام - عبر مؤسسات السلطة او الحركات التكفيرية - بجرعات تسطيح وتحريف لإفراغه من جوهره ودوره السياسي والاجتماعي وقلب المفاهيم، ليصبح قتال المسلمين والمسيحيين أولوية الحركات التكفيرية؛ وفق الإدارة الأمريكية لهذه الجماعات.
تنبأ الماسوني "ألبرت بايك" في العام 1871 بقيام الحروب العالمية الثلاث، الأولى ضد القياصرة والثانية ضد النازية والثالثة بين الصهيونية السياسية والإسلام، وكان "بايك" يروّج لفكرة "الشيطان الأمير"، مما يسهّل فهم الشعار الذي أطلقه الإمام الخميني على اميركا "الشيطان الأكبر"، وسواء كانت هذه الوثيقة صحيحة او لا، فإن الوقائع والأحداث تؤشر الى هذه الحرب على "الإسلام الشيعي"، بصفته القلعة الأخيرة للدفاع عن الإسلام والمسيحية والحقوق والأخلاق، والذي يواجه المشروع الامريكي منفرداً منذ 30 عاماً بعد اتفاقيات "أوسلو" الفلسطينية، واتفاقيات التطبيع والسلام مع "اسرائيل"، وبقي متمسكاً بسلاحه وداعما للقضية الفلسطينية وتسليحها ،بعدما تخلّت السلطة الفلسطينية عن المقاومة المسلحة، مما أضعف موقفها الداعم.
بدأت الحرب على الإسلام الشيعي المقاوم انتقاماً من انتصار المقاومة في عام 2000، لما احدثته في ذاكرة والوعي "الإسرائيلي"، بعدما أسقطت بعض المفاهيم التي استطاعت "إسرائيل" تثبيتها كمسلمات وثوابت في العقل العربي (استحالة هزيمة "إسرائيل" وجيشها الذي لا يقهر) ، فشنّت "اسرائيل" حربها الثأرية الأولى عام 2006 وانهزمت، فأشعلت أميركا" الربيع العربي"، واستطاعت تشتيت القوى وحفر خندق مذهبي كبير بين السنّة والشيعة، بسبب القتال بين حركات المقاومة الشيعية والجماعات التكفيرية التي تقودها أميركا، مما جفّف بحر التعاطف والتضامن العربي والإسلامي مع المقاومة في لبنان، بعدما استطاعت اختراق الحواجز المذهبية بعد انتصارات 2000 و2006، وعادت المقاومة اللبنانية الى سجنها الطائفي والمذهبي حتى داخل لبنان.
الإسلام الشيعي المقاوم يرتكز على ركيزتين، ولابد من القضاء عليهما لاجتثاث ما تبقى من مقاومة عربية واسلامية وهما إيران؛ بصفتها القائد للمشروع المقاوم، والمقاومة اللبنانية بصفتها محور المحور، كما قال نتنياهو، وهي رئيس اركان المشروع المقاوم والسور العالي لحماية إيران؛ وفق توصيف نتنياهو ايضا الذي يقول "إن اغتيال نصر الله فتح لنا الطريق الى طهران"، وبعد اغتياله بشهرين سقطت سوريا، وبعد تسعة أشهر بدأت حرب إسقاط النظام في إيران، والتحضير لإسقاط العراق، وعندما تسقط هذه الحواضر الشيعية الثلاث (إيران والعراق ولبنان) يسقط الإسلام السياسي الشيعي ويعود الإسلام الشيعي العقائدي والعبادي الى زمن "التقيّة" وهدم المقامات؛ كما حدث في البقيع، او كما يجري في سوريا؛ النموذج الذي سيتم تعميمه إذا انتصرت اميركا.
استطاعت الماسونية والصهيونية العالمية بأدواتها العلنية والسرية تحشيد العالم ضد المقاومة ورأسها في إيران، حتى صار مطلباً جماعياً من العرب الذين فضحتهم إيران والمقاومة بتخليهم عن دعم غزة والمسلمين، وتركيا لاعتبارات مذهبية ضمن الصراع السني - الشيعي، وكحلفاء "لإسرائيل" يمارسون النفاق السياسي؛ فيصرّحون بدعم فلسطين كلامياً ويدعمون "إسرائيل" بالغذاء والسلاح وفتاوى عدم القتال.
الحرب الصهيونية - الشيعية هي حرب دينية ووجودية، ولا مجال للحلول الوسط إلا بشكل ظرفي لالتقاط الأنفاس ،مع إصرار أميركي لمتابعتها، لاعتقادها أنها أصبحت في الخطوة الأخيرة لإسقاط الأديان واحتلال الجغرافيا واستعباد الشعوب.
الشعوب الإسلامية والعربية الصامتة والمحايدة او الشامتة والمتحالفة مع العدو لإسقاط إيران وحركات المقاومة تمارس الانتحار المجنون غير الشرعي، لأن سقوط الإسلام الشيعي المقاوم سيسهّل وضع القيود الأميركية و"الإسرائيلية" في أيدي الشعوب والحكام، ويقسّم بلدانها ويغيّر دينها ويتحكم بلقمة عيشها، ولن تلبث الدول الخليجية إلا قليلا وسيُفرض عليها تجنيس العمال الأجانب الذين يشكلون أضعاف أعداد المواطنين، وسَتقسم الدول العربية دولاً وإمارات قومية ومذهبية؛ كما تشاء اميركا، ولن تنجو تركيا بعد تنفيذها المهمات الموكلة إليها.
الحرب الصهيونية - الشيعية ليست عسكرية، فقط وليست محصورة في الجغرافيا الإيرانية، بل ستمتد على كل الجغرافيا العالمية وعلى مستوى العقل والسلوك والدين والسياسة والاخلاق .
لا حياد لأي شيعي أو سنّي او مسيحي في هذه المعركة، فإن لم يتدخل لن يتركه الأعداء سالماً، إلا إذا تنكّر لدينه وقيمه او صار عميلا تابعاً.
الحرب صعبة وطويلة، ولابد من الإعداد لها بما يتناسب مع قدرات وتخطيط الأعداء، وعدم البقاء في دائرة السطحية والجمود واعدام العقل وإلغاء الكفاءات أو الاستعانة بالشخصيات الضعيفة والفارغة التي تتّقن المديح وتغادر عند اول منعطف.
لابد من توسعة دائرة المقاومين للمشروع الأميركي - "الإسرائيلي"، وإعادة الانفتاح على الشرفاء والأحرار في لبنان وفي العالم العربي والإسلامي، مع تحسين الأداء والتواصل وحسن الخطاب.
هل تكون الحرب الصهيونية - الشيعية الحربَ الثالثة؟ ــ د. نسيب حطيط
الخميس 19 حزيران , 2025 09:56 توقيت بيروت
أقلام الثبات

