في زمن التطبيع والانبطاح العربي ... إيران بقيت واقفة وتواجه قوى الاستكبار

الثلاثاء 17 حزيران , 2025 03:03 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

لم تكن الثورة الإيرانية عام 1979 مجرد لحظة تاريخية فارقة في الداخل الإيراني، بل شكلت أيضًا زلزالًا سياسيًا في خريطة تحالفات الشرق الأوسط. فعندما أسقط الإيرانيون نظامًا كان من أقرب حلفاء الغرب وإسرائيل، أطلقوا إشارة أولى عن شكل المنطقة التي يحلمون بها: لا وجود لإسرائيل، ولا تبعية للهيمنة الغربية، ودعم معلن للمقاومة الفلسطينية.

غير أن هذا التحول لم يُستقبل في الجوار العربي بالترحيب، بل وُوجه برد قاسٍ: حرب شاملة شنّها نظام عربي آخر بدعم وتمويل من عواصم خليجية، دامت ثماني سنوات وأسفرت عن خسائر بشرية واقتصادية فادحة، لم تُثنِ طهران عن مشروعها الإقليمي. هذه الحرب لم تكن مجرد صدام حدودي، بل كانت محاولة مبكرة لاحتواء ما وُصف لاحقًا بـ"الخطر الثوري الإيراني".

المفارقة أن الدول ذاتها التي خاضت معارك طويلة في دعم الشاه لم تبدِ في الماضي أدنى اعتراض على تحالفاته مع إسرائيل، لكنها اليوم تستنفر ضد إيران لا لسياساتها الخارجية، بل بذريعة طائفية باتت تُستخدم كأداة سياسية.

رغم كل ذلك، حافظت إيران على استمرارية دعمها لقوى المقاومة في فلسطين ولبنان. فعلت ذلك في زمن عزّ فيه النصير، وتراجع فيه كثير من الداعمين التقليديين تحت ضغط التحالفات الدولية، أو بسبب حسابات داخلية ضيقة. ومع ذلك، لم يشفع لها موقفها هذا عند من يُفترض أنهم يتقاسمون معها الخصومة مع المشروع الصهيوني، بل أصبحت تُحاصر سياسيًا وإعلاميًا وتُتهم بإثارة الانقسام المذهبي، بينما كانت هي من تتجاوز هذا الانقسام عمليًا في دعمها لحركات سنيّة العقيدة، شيعية السلاح، عربية القضية.

وفي مقابل الموقف الإيراني، لم تكن هناك مواقف عربية موازية سوى بيانات موسمية، أو خطوات رمزية لا تتجاوز العناوين. الأسوأ من ذلك، أن بعض الأصوات ذهبت بعيدًا في مهاجمة المقاومة ذاتها، واعتبارها عبئًا على "الواقعية السياسية"، أو مغامرة لا طائل منها.

وفي اللحظات المصيرية التي كان يُنتظر فيها الفعل، لم تُطلق جيوش ولا تُحرك أساطيل، بل تحركت وفود التطبيع، وازدادت قبولات المصالح المشتركة على حساب المبادئ التي تآكلت.

إن تقييم المواقف لا يجب أن يقوم على الطائفة أو القومية، بل على المبدأ. وفي هذا السياق، تُصبح الأسئلة الكبرى أوضح: من الذي وقف حين غاب الجميع؟ من الذي دعم بالسلاح حين اكتفى الآخرون بالدعاء؟ من الذي دفع ثمن مواقفه بينما جنّى الآخرون أرباح الانحناء؟

قد نختلف سياسيًا، أو نتحفظ على أسلوب أو خطاب، لكن إنكار الحقائق لا يغيّرها. ومهما تلبّس الباطل بلبوس النصرة أو الطهرانية، تبقى المواقف هي الفيصل.

فمن كان في خندق المقاومة حين فرغ، لا يُسقطه الطعن في النوايا. ومن دعم المظلوم بالفعل لا بالتصريحات، يستحق التقدير لا التحقير.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل