أقلام الثبات
عندما كان سماحة السيد الراحل حسن نصر الله يضع خارطة "إسرائيل" أمامه ويجُول بسبابته على المواقع الاستراتيجية التي تنحصر ضمن مساحة 1200 كلم مربع في وسطها، كان (رحمه الله) أول القارئين لمستقبل كيان لا تتجاوز مساحة احتلاله 22 ألف كلم مربع، وبنى كافة قدراته الاستراتيجية/ الحياتية على مساحة ضيقة في زمن الاطمئنان أن لا حروب ستحصل في الداخل الصهيوني، وأن قتال العرب سيحصل داخل بلدانهم، واعتاد المستوطنون اليهود على جيشٍ يُقاتل خارج الحدود، فيما هم يستمتعون بحياتهم على الشواطئ الرملية، ويبنون أحلامهم في "دولة" مهما بلغ تطورها التكنولوجي فهي في الواقع الجيو-سياسي قياساً لمساحتها الصغيرة ومحيطها الإقليمي، مملكة من رمال.
يقول خبير الشؤون الاستخبارية "الإسرائيلي" يوسي مليمان، إن "نشوة ضرب إيران لم تدم طويلاً"، مشيراً إلى أن الإيرانيين لديهم تاريخ في الصمود في الحروب.
وتابع في حسابه على موقع "X": "الشيعة تاريخياً على استعداد للمعاناة، ولديهم الإرادة على التضحية، كما برهنوا على ذلك خلال ثماني سنوات من الاستنزاف مع العراق. أنصح بتقليص خسائرنا والتوجه إلى ترامب لوقف هذا الجنون باتفاق معقول، وإلا فسنضطر إلى التوسل لوقف إطلاق النار، وسترفض إيران ذلك".
وفي مقال له بصحيفة هآرتس العبرية، قال ميلمان: "رغم الإرهاق الذي يعانيه الجمهور الإسرائيلي جراء حرب غزة والانقسام السياسي الداخلي، إسرائيل دخلت في مواجهة مباشرة مع إيران؛ في عملية عسكرية اعتبرت ناجحة تكتيكياً في مرحلتها الأولى، لكنها فتحت أبواب المجهول على إسرائيل".
وشدد ميلمان على أن "نتنياهو يبدو مصمماً على مواصلة الحرب، مدفوعاً بمبررات شخصية وسياسية، بعكس رغبة الجيش والموساد بإنهاء الحدث سريعاُ، فإيران المعروفة بعنادها واستعدادها لصراعات طويلة، قد تختار مسار الاستنزاف بدلاً من رد محدود، كما فعلت في حربها مع العراق".
وينقل المحلل الصهيوني "آموس هاريل" مؤشرات عن زلزال إستراتيجي يهز الكيان "الإسرائيلي"، وأن نتانياهو سيُجبر على توقيع "اتفاق الردع المُهين" تحت نيران طهران، في زلزال استراتيجي يهزّ الكيان الصهيوني، وأن إيران ستنتزع توقيعاً يمنع استهداف منشآتها النووية مقابل عدم استهداف مفاعل "ديمونا".
تسريبات خطيرة نقلها "آموس هاريل" بأن بنيامين نتنياهو رضخ – تحت ضغط الواقع العسكري والتهديد الإيراني - لتوقيع اتفاق سري مع طهران يقضي بعدم استهداف المنشآت النووية الإيرانية، مقابل تعهّد إيراني بعدم قصف مفاعل "ديمونا" النووي الواقع في عمق صحراء النقب.
هذا الاتفاق، الذي وصفته مصادر أمنية بأنه "أخطر انكسار في تاريخ العقيدة الأمنية الصهيونية"، جاء عقب سيل من الضربات الصاروخية الدقيقة التي أربكت منظومة الردع "الإسرائيلية"، وأصابت مراكز القيادة والسيطرة بالشلل المؤقت، ما سيدفع القيادة الصهيونية إلى القبول بشروط إيرانية قاسية لم يكن أحد ليتخيَّل أن تُفرض يوماً على الكيان.
مستوطن "إسرائيلي" تقصَّد الوقوف أمام كاميرا تلفزيونية في تل أبيب وقال: "حوَّلت الصواريخ الإيرانية قلب تل أبيب وشوارع كاملة إلى ركام ودخان كثيف، وحي "فلورنتين" وسط المدينة عبارة عن سيارات محترقة ونوافذ محطَّمة، وأبنية سكنية انهار بعضها، وفرق الإطفاء والإسعاف تعمل في ظل صعوبة الحركة بسبب الحطام والنيران".
وإذ يرى "الإسرائيليون" أن طيرانهم الحربي يهيمن على الأجواء الإيرانية، ولكن سكان طهران وسواها من المدن يعملون بصورة طبيعية ولا يرهبهم هذا الطيران، بينما كل "إسرائيل" متوقفة عن العمل، باستثناء صفارات الإنذار التي تأمرهم بالنزول إلى الملاجئ والخروج منها، والرأي العام "الإسرائيلي" يُجمِع أن المستوطنين ما اعتادوا هذا النوع من الحياة ولا يصمدون لأكثر من أيام قليلة.
وفي خلاصة هذه الآراء "الإسرائيلية"، وبعد إقرار نتانياهو أن هدفه ليس إسقاط النظام في طهران، وأن الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني ليست كاملة ولا شاملة، فإن كياناً محدود المساحة لا يمكنه استراتيجياً مواجهة قارة بحجم إيران، قد يكون معمل واحد فيها، يتجاوز من حيث المساحة كل المعامل والمحطات الحيوية المكدَّسة وسط "الكيان الإسرائيلي".