لماذا يعتمد الغرب استراتيجية التوهين بالرغم من فشلها؟ ــ د. ليلى نقولا

الإثنين 16 حزيران , 2025 09:25 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في خضمّ حرب أوكرانيا، تبنّى قادة الغرب خطابًا يتنبأ بانهيار روسيا اقتصاديًا وعسكريًا على غرار الاتحاد السوفياتي. فرئيس الوزراء البريطاني جونسون هدّد في آذار 2022: "سنواصل الضغط بكل الوسائل على روسيا حتى سقوط بوتين"، بينما قالت فيكتوريا نولاند إن "الضغوط ستضع قيادة الكرملين أمام خيارين: التراجع أو مواجهة ثورة داخلية".

لكن بعد أكثر من ثلاث أعوام من المعارك والعقوبات غير المسبوقة، تكشف الوقائع أن روسيا لم تنهَر، بل أعادت توجيه اقتصادها شرقًا، وزادت من تعاونها مع الصين والهند، وثبّتت أقدامها عسكريًا، رغم التكاليف الكبرى.

اليوم، تتكرر النسخة نفسها في المشهد الإيراني. فبعد الضربة "الإسرائيلية" غير المسبوقة التي استهدفت مواقع حساسة في إيران؛ أمنيًا وعسكريًا، ارتفعت أصوات غربية و"إسرائيلية" تتحدث عن «فرصة لتغيير النظام». ترامب ألمح إلى إسقاط النظام بحديثه عن نافذة على ايران ان تستغلها وإلا حصل الأسوأ، ونتنياهو عبّر عن ذلك بدعوته الشعب الإيراني الى الانقلاب على النظام، لكن الرد الإيراني الصاروخي على "إسرائيل" أظهر أن طهران ليست عاجزة عن الرد، بل – كما يبدو - تحتفظ برصيد كبير من أوراق القوة التي لم تلوّح بها بعد.

وهنا تتبادر الى الذهن مسألة التوهين من قدرات الخصوم، وهل هي سياسة مقصودة أم أنه نقص في المعلومات؟

في علم السياسة الواقعية (Realpolitik)، استراتيجية توهين "القدرات" ليست مجرد دعاية سياسية، بل هي جزء من حرب نفسية وسياسية شاملة، يعتمد نجاحها على:
1. الدقة في تحليل نقاط ضعف الخصم لا تقوم على مجرد افتراضات.
2. الاستعداد لمواجهة ردود فعل عنيفة إذا حصل سوء تقدير.
3. دمجها مع أدوات أخرى، مثل الحرب الاقتصادية، أو الاختراق الثقافي، أو انقلاب داخلي، أو غير ذلك.

أما فشل تلك السياسة فغالبًا ما يكون نتيجة:
· أمنيات سياسية: بعض صُناع القرار يقرؤون الوقائع من منظور ما يتمنونه، فيبالغون في تقدير أثر العقوبات والضغط.
· تضخيم ضعف العدو بهدف زرع الشك في قاعدته الشعبية وتحفيز الانقسامات الداخلية.
· تعبئة للرأي العام المحلي: تصوير الخصم كـ«نمر من ورق»، ما يسهّل تمرير سياسات المواجهة والحروب أمام دافعي الضرائب، عبر إغرائهم بأن المسألة سهلة ولن تستغرق وقتاً، فيُباع للناخبين بأنه "تدخل محدود، انهيار سريع للعدو".
· فهم سطحي لهوية الخصم: تجاهل البعد الديني أو القومي الذي يغذي تماسك المجتمعات في مواجهة العقوبات والضغوط.

وهكذا، يحقق التوهين أهدافًا آنية: رفع معنويات الحلفاء، أو تخويف الخصم نفسيًا، لكن إذا انكشف الواقع المغاير، فإن تلك السياسة تتحول إلى عبء سياسي، وتقوّي رواية العدو عن «الانتصار والصمود».

النتيجة، يتكرر وهم «انهيار الخصوم تحت الضغط» في الخطاب الغربي و"الاسرائيلي"، اذ تكشف التجارب أن هذه الدول غالبًا ما تفاجئ خصومها بمرونتها وتماسكها. كما يبدو من أفغانستان، وايران وروسيا أن التوهين لم يكن سياسة منهجية غربية، بل نتيجة لرؤية قاصرة عن فهم بيئة العدو، وثقافته، وأدوات قوته غير التقليدية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل