أقلام الثبات
تخوض إيران و"إسرائيل" حرباً وجودية بعد مغادرتهما "المنطقة الرمادية" ، حيث تعتقد "إسرائيل" أن إيران تقود المشروع الإسلامي المقاوم لإزالتها من الوجود وتحرير "القدس"، فبادرت لخوض مغامرة الحرب المباشرة على إيران الثورة الإسلامية، بعدما أصابت حركات المقاومة بضربات قاسية، أنهكتها وأصابتها بالشلل او دفعتها للحياد المؤقت.
ان الحرب الدائرة الآن بين إيران و"إسرائيل" هي في الواقع حرب بين إيران وأميركا والغرب وبعض العرب ،بقناع وقفازات "اسرائيلية" ،حيث لا قدرة "لإسرائيل" على الصمود والمواجهة على كل ساحة الشرق الأوسط ووصلت هذه الحرب الى نقطة اللاعودة، ولن تنتهي إلا بتأمين ضمانات لكلا الطرفين ،خصوصاً أن إيران لا تستطيع التراجع الآن بعد ما حاولت الفرار من الحرب ، ودفع أطراف محور المقاومة أثماناً كبيرة كان يمكن تفادي بعضها او جعلها أغلى ثمناً وأكثر خسارة على "إسرائيل" وأميركا .
تمثّل إيران، خط الدفاع الأخير عن ما تبقى من أمة عربية وإسلامية، وحتى على مستوى مشروع التحرّر العالمي ،فإذا سقطت تهاوى ما تبقى من دول إسلامية وعربية "كتماثيل الرمل"، حتى تركيا وباكستان ومصر التي تمثل آخر ما تبقى من قوى عسكرية وايديولوجية للعالم الإسلامي.
تقاتل إيران الآن دفاعاً عن الإسلام الأصيل، وعن ثقافة المقاومة والتحرّر وعن العالمين العربي والإسلامي، ودفاعاً عن نفسها ومشروعها وعقيدتها الدينية، مما يضعها أمام خيار واحد هو الاستمرار في المواجهة والحرب ،رغم كل الضربات والخسائر الكبرى التي أصابتها واستطاعت استيعابها بشكل كبير والبدء بالرد الذي بدأ يعطي ثماره على مستويين اثنين:
- بث الروح المعنوية للعرب والمسلمين والفلسطينيين وإعادة تجميع اشلاء العرب والمسلمين، لوقف حالة الانهزام والانهيار السريع بعد الانتصارات التي حقّقتها أميركا و"اسرائيل"، وقد ظهرت بعض البشائر من المواقف الإعلامية لبعض الدول العربية والإسلامية - ولو بالشكل - المتضامنة مع إيران مع موقف متقدّم لباكستان التي اعلنت استعدادها للمشاركة في الدفاع عن إيران وعن الأمه الإسلامية والتزام بعض الدول بالصمت وعدم الجهر بتأييد العدوان "الإسرائيلي"، بالإضافة الى الموقف العاطفي للشعوب المتعطّشة لبعض المعنويات.
- تآكل قوة الردع "الإسرائيلية" في الداخل، حيث تتعرّض المدن "الإسرائيلية" لأول قصف حقيقي ومدمّر منذ بدء الصراع العربي - "الإسرائيلي" والذي لا تستطيع "إسرائيل" تحمّله لفترة طويلة، وإذا استمر لأكثر من 10 أيام، وبشكل تصاعدي سيضع "الإسرائيليين" تحت الحصار والخوف كما يعيش اهل غزة ولبنان.
شكّل الهجوم "الإسرائيلي" على إيران "نقطة تحوّل" مفصلية، ستحدّد هوية المنطقة، فإذا انهزمت إيران سَتولد "إسرائيل الكبرى" و"الشرق الأوسط الأميركي"، وستنتهي القضية الفلسطينية ويصبح الفلسطينيون "هنود أميركا " العرب، أما إذا استطاعت إيران الصمود وتحقيق توازن الردع او التعادل بالخسارة والربح بينها وبين التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" او استطاعت تسجيل نقاط ربح أكثر ،فسيتم صرف هذا الانتصار على مستوى استعادة الحقوق الفلسطينية وفك القيود عن حركات المقاومة، وإنقاذ المنطقة سياسياً واقتصادياً ودينياً من السيطرة الأميركية - "الإسرائيلية" والأهم قطع الطريق على "الديانة الإبراهيمية"، التي تنتظر على الأبواب.
إن الحرب الإيرانية - "الإسرائيلية" (بالأصالة وبالوكالة) بعد أكثر من 40 عاماً من المواجهة الساخنة والناعمة تشابه معارك الحرب العالمية الأولى التي أسقطت الدولة العثمانية وستقرر رسم خريطة المنطقة وتحدّد مصير شعوبها وأنظمتها، فأما ان تبقى المنطقة كما كانت على مستوى الدول وتشهد ولادة الدولة الفلسطينية او تكون بداية تغيير الشرق الاوسط الجديد وانتهاء المشروع التحرّري المقاوم ومحو الهوية الدينية والحضارية للشعوب العربية والإسلامية .
إذا انهزمت إيران سينتقل الهجوم الأميركي - "الإسرائيلي" الى باكستان لإسقاطها بعد المحاولة التجريبية التي قامت بها الهند منذ شهرين، ثم العودة لإسقاط تركيا بعد تكليفها، بإسقاط سوريا وتهديد العراق ومصر والمشاركة في تخريب ليبيا وآخر الحروب ستكون في مصر، لأن القرار الأميركي يمنع امتلاك المسلمين أي قوة ردع تعرقل السيطرة الأميركية - "الإسرائيلية" ومسموح امتلاك "الهروات" وبناء السجون !
مصلحة هذه الدول في دعم إيران (أو عدم دعم "إسرائيل") لإطالة صمودها وحرب الاستنزاف التي تخوضها ضد "اسرائيل"، التي لا تستطيع الصمود طويلاً، ويمكن حصاد بعض الأرباح وإلزام "إسرائيل" وأميركا بتقديم بعض التنازلات إذا استطاعت إيران البقاء على هذه الوتيرة من القصف مده سبعة او عشرة أيام كحد أدنى، وعدم الاكتفاء بحرب رد الاعتبار المعنوي فقط.
أيها العرب والمسلمون لا تدعموا "إسرائيل" حفظاً لأنفسكم... فأنتم ضحايا "الغد" على لائحة التوحش "الإسرائيلي" - الأميركي.
حرب "الأيام العشرة" بين "إسرائيل" والإسلام التحرّري _ د. نسيب حطيط
الأحد 15 حزيران , 2025 04:32 توقيت بيروت
أقلام الثبات

