أقلام الثبات
بعد سلسلة الضربات القاسية التي أصابت محور المقاومة على المستويين الميداني والاستخباراتي، أعلنت إيران عن عملية اختراق واسعة لمنظومة الأمن "الإسرائيلية"، والحصول على وثائق ضخمة وحسّاسة للملف النووي "الإسرائيلي" وبعض الملفات القضائية والشخصية والعسكرية، مما أعطى جرعه معنوية لأهل محور المقاومة ،خصوصاً في لبنان، والذين يتعرّضون منذ اغتيال "السيد الشهيد" الى حرب متعدّدة المحاور، وفي مقدمتها الحرب النفسية ،لكسر معنوياتهم وإذلالهم وهزيمتهم نفسياً ،للضغط عليهم وانفضاضهم عن المقاومة، وكسر جدران الحماية الشعبية لها، لتسهيل القضاء عليها.
اختارت إيران توقيتا ذهبياً لإعلان حصولها على هذا الكنز الاستخباري من المعلومات؛ في لحظة مفصلية سيتقرر فيها مصير المفاوضات الأميركية - الإيرانية، والتي تترنّح بسبب الغطرسة الأميركية التي تريد حصر التفاوض بنزع سلاح إيران النووي، دون إلغاء للعقوبات او فك الحصار ،أي تدمير السلاح النووي ، بدون مقابل، بالتلازم مع التهديدات "الإسرائيلية" بقصف المفاعلات النووية الإيرانية ،بضوء أخضر أميركي ومن بوابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي سُتلزمها اميركا بإصدار تقرير سلبي ضد إيران لتبرير الضربة "الإسرائيلية".
تعرف إيران ان المنازلة الكبرى في الحرب بين التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" والمحور المقاوم ستكون معها؛ بعد سلسلة المعارك التمهيدية التي بدأت في لبنان وغزة وسوريا واليمن، والتي استطاع فيها التحالف الأميركي ،حصاد بعض الانتصارات ،بإسقاط سوريا ،مما أمّن له انتصاراً استراتيجياً واستطاع إبادة غزة بتأييد عربي وتركي واستطاع إنزال ضربات قاسية بالمقاومة اللبنانية التي لا زالت على قيد الحياة ولازالت تشكّل تهديداً، للمشروع الأميركي، مما يدفع أميركا، لزيادة الضغط لنزع سلاحها وقد أدّت هذه الأرباح الأميركية ،لتسهيل الحرب ضد إيران وإمكانية إسقاط "حكم الثورة" من الداخل والخارج.
حاولت إيران النجاة من الحرب التي تريدها أميركا وإسرائيل وبعض العرب وصمتت عن كل الضربات من اغتيالات العلماء النوويين وقادة الحرس الثوري واغتيال إسماعيل هنية في طهران والشكوك حول اغتيال الرئيس "رئيسي" واغتيال "السيد الشهيد" وقادة المقاومة في لبنان ولم تتدخل طوال حرب ال66 يوماً، لاعتقادها ،بإمكانية الهروب من الحرب التي ترى انها لا تصب في مصلحتها في توقيتها وظروفها الإقليمية والدولية ، خاصة وأن الشارع الداخلي الايراني ونتيجة الحصار الاقتصادي والاختراقات الأمنية المتعدّدة المحاور السياسية والمذهبية والقومية ،يمكن أن يكون أداة بيد أميركا ضد التوجه الثوري الإيراني المقاوم او ضمن تقاطع المصالح بين المعارضة الإيرانية والتحالف الأميركي ضد النظام الثوري القائم.
ان إعلان إيران عن نجاحها الاستخباري رسالة إيرانية الى أميركا أنها قادرة على الرد بالمثل على أي قصف "إسرائيلي" لمواقعها النووية وأنها لن تكتفي بالرد الصاروخي الكلاسيكي، مما سيؤمن لإيران مظلة حماية مؤقتة ويؤخر القرار الأميركي ،بإنهاء المفاوضات لكسب مزيد من الوقت لاستيعاب الضربة الاستخبارية الإيرانية للعدو الإسرائيلي!
وجّه الاختراق الاستخباري الايراني صفعة معنوية ومادية ،لإسرائيل بعد تباهيها وغرورها بقدراتها الاستخبارية والتي كانت ذروتها " عملية البيجر" التي كانت العملية الأولى في العالم على مستوى حرب المعلومات والحرب الإلكترونية .
والسؤال المطروح: هل تنجح العملية الاستخبارية الإيرانية بحماية المشروع النووي الإيراني، أم انها ستفتح أبواب المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران والتحالف الأميركي - "الإسرائيلي"؟
يتصرّف التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" وكأنه صاحب اليد العليا وأن ما تبقى من محور المقاومة في اسوأ لحظات الضعف والحصار، مما يعطي أميركا فرصة القيام بالمعركة الأخيرة لقطع " الرأس المقاوم "الذي أزعجها وأقلقها طوال 40 عاماً وإذا استطاعت تصفيته ،سيسقط الشرق الأوسط بكامله بيدها ،لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية وستتربع أميركا واسرائيل على عرش الشرق الأوسط الكبير او "إسرائيل الكبرى"، كملوك بلا منازع وبلا شراكة مع أحد وستنتشر "الديانة الإبراهيمية"، بديلا للإسلام والمسيحية .
اختصرت العملية الاستخبارية الإيرانية خيارات الحرب او المهادنة، وقصّرت المسافة الزمنية للمواجهة العسكرية المباشرة .
كانت جبهة لبنان، الجبهة المركزية في الحرب مع أميركا و"اسرائيل"، وكانت تحمي لبنان وتساند فلسطين وسوريا، وتشكّل متراساً متقدماً وقوياً لحماية إيران ، حيث كرّر المسؤولون العسكريون الإيرانيون طوال سنوات ان المقاومة في لبنان ستزلزل "إسرائيل"، لكن التردّد الإيراني في الرد على إغتيال "السيد الشهيد"، وعدم إسناد المقاومة في لبنان، ألحق الخسارة بالمقاومة اللبنانية وإيران ومحور المقاومة ،فبدل أن تقاتل إيران ومعها خمس جبهات (لبنان وسوريا وفلسطين والعراق واليمن) ستقاتل إيران الآن وحدها ، لعجز الآخرين "الذين ينزفون" عن إسنادها، واذا تصرفوا بانفعال وعاطفة وبادروا للمشاركة في الحرب وهم لم ينجزوا ترميم بنيتهم العسكرية والتنظيمية ،سيقدمون رأسهم للمقصلة "الإسرائيلية" مجاناً.
دعاؤنا لإيران بالصمود والنصر حتى لا نخسر جميعاً ما تبقى لنا.
الاختراق الإيراني جرعة معنوية لمحور المقاومة _ د. نسيب حطيط
الثلاثاء 10 حزيران , 2025 10:19 توقيت بيروت
أقلام الثبات

