أقلام الثبات
اجتاح العدو "الإسرائيلي" لبنان عام 1982، للقضاء على المقاومة الفلسطينية وتأمين سلامة الجليل، وتنصيب نظام سياسي في لبنان مؤيد ومتحالف مع "اسرائيل"، ولتوطين الفلسطينيين في لبنان أو الأردن، وقد نجحت "إسرائيل" بهدفها الأول وأخرجت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، ونجحت جزئياً بالهدف الثاني، ونصّبت بشير الجميل رئيساً للجمهورية، لكنها فشلت بفرض حكمه بعد اغتياله وانتقلت السلطة الى اخيه أمين، لكنه سقط بانتفاضة شباط 1984 ولم تنجح حتى الآن بفرض التوطين والتطبيع بعد سقوط اتفاق 17 أيار.
أُخرجت المقاومة الفلسطينية وسقطت بندقيتها، لكن الميدان شهد ولادة مقاومة لبنانية وطنية وإسلامية شاملة ملأت الفراغ واستطاعت القتال طوال 18 عاما، وتمكنت من تحرير لبنان عام 2000 دون قيد أو شرط، وبلا تفاوض او اتفاقيات سلام، وكانت قد أخرجت المارينز والمتعددة الجنسيات خلال أشهر معدودات بعد وصولها الى لبنان، ويقول وزير الخارجية "الإسرائيلي" الأسبق؛ إبا إبيان: "إذا تبيّن ان كل ما فعلناه هو ان نبادل عدوانية 7 آلاف فلسطيني بعدوانية 700 ألف شيعي، فأنا اعتقد عندئذ ان تجارتنا كانت خاسرة"!
الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 تخلّص من المقاومة الفلسطينية المحدودة التأثير والإزعاج للعدو "الإسرائيلي"، واستولد مقاومة لبنانية وطنية وإسلامية قوية، وبعد الانجازات التي حقّقتها المقاومة اللبنانية في صراعها مع العدو ، شعر العدو "الإسرائيلي" بالندم والاعتراف بفشل الاجتياح الذي أسماه "الوحل اللبناني" بدل عملية "سلامة الجليل" وتم الاستهزاء بالجيش "الاسرائيلي" نتيجة الضربات التي يتلقاها حتى تم استعمال مصطلح "العروس" بدلا ًعن الجيش في الإعلام "الاسرائيلي" عند ذكر كل عملية ضد جنود العدو ويقول وزير الدفاع الإسرائيلي اسحق رابين: "إن إسرائيل اطلقت مارد الإرهاب الشيعي – المقاومة - من القمقم في لبنان واذا استمر هذا الإرهاب بعد انسحابنا من لبنان، فسيكون ذلك مشكلة خطيرة"، وقد صدقت نبوءته!
أثبتت المقاومة اللبنانية فشل استراتيجية الاجتياحات والاحتلال للبنان، وان المقاومة ليست مرتبطة بفصيل او تنظيم او جماعة او قائد او زعيم، بل هي فكرة ومشروع وثقافة وعقيدة، فإذا استطاع العدو القضاء على تنظيم او اغتال او خطف قائداً او نزع سلاح المقاومة ،فلن يتمكن من نزع ثقافة وعقيدة المقاومة التي ستستمر من جيلٍ الى جيل وعند القضاء على تنظيم مقاوم، فَسيولد تنظيم مقاوم آخر بديل، لأن العقيدة الإسلامية وفق المنهج الحسيني الكربلائي، لا تُجيز الاعتراف "بإسرائيل" او الصمت عن الظلم سواء كان احتلالاً او غزواً او استعباداً وسواء كان نظاماً تابعاً لأميركا و"إسرائيل".
إن فرض الاستسلام بالقوة عبر الاجتياحات والحصار هو فعل "عبثي" يعطي أميركا و"اسرائيل" انتصارات مؤقتة ومرحلية غير دائمة ،كما حصل بعد اجتياح عام 82 حيث بدأت الصورة بالانقلاب بأقل من عامين.
سيتكرّر المشهد في اجتياح عام 2024 وستبدأ الانتصارات الأميركية - "الإسرائيلية" بالزوال وسيبقى المشروع المقاوم قائماً، سواء بتنظيماته الحالية او بتنظيمات أخرى وسيعيد الشيعة اللبنانيون خاصة والوطنيون اللبنانيون استيلاده المقاومة من رحم العقيدة والكرامة والوطنية وهذا ما عرفته الاستخبارات "الإسرائيلية" باستخلاصها العبَر من اجتياح 82 (أن غزو لبنان اثار "نهضة إسلامية شيعية" ووفّر الاحتلال الإسرائيلي للشيعة عاملاً قوياً جداً للتماسك ...لقد أعطى الشيعة حافزا" للنهوض مجددا في لبنان) ولأجل ذلك لا تريد "إسرائيل" تكرار تجربة احتلالها للجنوب ،بل اعتماد المنطقة المحروقة والمُدمّرة والخالية من السكان وليس من المقاومين، لأنها تعتبر كل مدني شيعي مقاوماً حتى يثبت العكس.
لا تخافوا ولا تستسلموا رغم كل الضربات القاسية ورغم كل الحصار... ولا تنهزموا امام التهديدات واصمدوا في مواجهة التحديات... فنحن قادرون بإذن الله على النهوض ثانية كما نهضنا عام 82، وسنعود لفرض شروطنا، وما النصر إلا صبر ساعة... وموقف عاقل وحكيم ... وإخلاص وقتال في سبيل الله فقط...حتى نكون في دائرة الخطاب الإلهي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)...
اجتياح 82 قتل المقاومة الفلسطينية واستَولَد المقاومة اللبنانية _ د. نسيب حطيط
الخميس 05 حزيران , 2025 03:46 توقيت بيروت
أقلام الثبات

