الثبات- إسلاميات
هاهي نفحات هذا اليوم يشعر بها كل من قصد الله وتوجه إليه بجسمه وقلبه وروحه وفكره وعقله ولو حبسه حابس عن أن يكون من أهل موقف عرفات، فعطاء الله غير محدود، فهو يوم يغفر فيه الله للمستغفرين، ويتوب فيه على التائبين، ويستجيب فيه للسائلين، فهو يوم إكمال الدين وإتمام الفضل والنعمة علينا، قال سبحانه:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}
فمن أراد أن يكون من أهل الدين والنعمة والفضل والعتق من النار، و أهل المغفرة في هذا اليوم العظيم فعليه أن يحافظ على الأسباب التي تحقق له ذلك وأول هذه الأسباب:
حفظ الجوارح عن المحرمات: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان فلان رديف رسول اللهﷺ يوم عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل رسول اللهﷺ يصرف وجهه بيده من خلفه مرارًا، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له رسول اللهﷺ: ((ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفِر له))
ومنها الصيام: قالﷺ : (( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده )) وصيام يوم عرفة إنما يشرع لغير الحاج، أما الحاج فلا يشرع له ذلك اقتداءً بالنبي ﷺ، فقد شربﷺ بعرفة والناس ينظرون إليه، وما ذلك إلا ليتقوى الحاج على الذكر والدعاء عشية عرفة
ومن أسباب الرحمة والمغفرة في يوم عرفة الإكثار من الذكر والدعاء: كالاستغفار والصلاة على النبي المختارﷺ والتسبيح والتحميد والتهليل وقراءة سورة الفاتحة والإخلاص، وخصوصاً كلمة التوحيد؛ فإنها أصل دين الإسلام الذي أكمله الله تعالى في هذا اليوم، قالﷺ: (( خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ))
فعلى المؤمن أن يكثر من الدعاء بالمغفرة والعتق من النار وحاجاته الدنيوية والأخروية في هذا اليوم ؛ فإنه من أرجى مواطن الإجابة، وعليه أن يلتزم بآداب الدعاء وأن يستقبل القبلة في دعائه رافعاً يديه متضرعاً مبتهلاً متذللًا مقتدياً بأفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، الذي ما إن فرغ من الصلاة حتى أتى الموقف، فوقف عند الصخرات، واستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والتضرع والابتهال إلى أن غربت الشمس
وهنا نذكر بعض أحوال الصالحين في ذلك : موقف عرفة موقف مهيب عظيم تنوعت فيه مشاعر الصالحين، وتعددت فيه مواقفهم، فمنهم من غلب عليه الخوف والحياء، ومنهم من غلب عليه الرجاء
وقف الفضيل بن عياض بعرفة والناس يدعون، وهو يبكي بكاء الثكلى، قد حال البكاء بينه وبين الدعاء، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال: "واسوأتاه منك وإن عفوت"
ومنهم من تعلق بأذيال الرجاء طمعاً في رحمة الله وكرمه، يقول ابن المبارك : جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً ؟ قال: "الذي يظن أن الله لا يغفر له"
ونظر الفضيل بن عياض إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقاً، يعني سدس درهم، أكان يردهم ؟ قالوا: لا، قال: "والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق".