أقلام الثبات
على مشارف الذكرى الثالثة والأربعين للاجتياح "الإسرائيلي" للبنان عام 1982 ،يعود لبنان، خصوصاً الجنوب، ليعيش من جديد دورة ترهيب "إسرائيلية" كما كان قبل العام 1982؛ عندما سمحت الدولة اللبنانية للمقاومة الفلسطينية عبر "اتفاق القاهرة" بالوجود العسكري في جنوب لبنان، والذي انتهى بنفي المقاومة الفلسطينية من لبنان، وعادت الى فلسطين كسلطة وإدارة "حكم ذاتي" بإشراف "إسرائيلي".
بعد حرب الإسناد التي حوّلها العدو "الإسرائيلي" الى حرب برية وجوية شاملة ،استبسلت فيها المقاومة بالقتال الميداني طوال 66 يوماً ،خلاف ما كان عليه الحال في اجتياح 1982، حيث وصلت الدبابات "الإسرائيلية" الى مشارف العاصمة بعد ثلاثة أيام فقط من اجتياحها للحدود ،دون مقاومة تُذكر، إلا في بعض النقاط، بينما منعت المقاومة طوال 66 يوماً الجيش "الإسرائيلي" من الوصول الى نهر الليطاني.
تقف المقاومة بعد توقيع وقف إطلاق النار من طرف واحد ،حيث لا يزال العدو "الإسرائيلي" يتابع حربه ،دون أي رد من المقاومة، ليس لعجزٍ او استسلام ، بل لعقلانية وموضوعية توجبهما متطلبات الترميم لبناها العسكرية والتنظيمية بعد الضربات القاسية التي تلقتها، ونتيجة تغيّر الظروف الإقليمية بعد سقوط سوريا بيد التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" التركي، وانهيار المنظومة العربية المعادية "لإسرائيل"، وسقوط أغلب العالم العربي والاسلامي في القبضة الأمريكية والتطبيع والسلام مع "اسرائيل"، حيث تحوّلت حركات المقاومة الى اقلية نادرة يحاصرها الجميع؛ عرباً ومسلمين و"إسرائيليين" واميركا واوروبا، وتأتي المقاومة اللبنانية في مقدمة المطلوب تصفيتهم وقطع رأسهم ، لتحميلها مسؤولية استنهاض المشروع المقاوم في العالم العربي، والداعم الرئيسي للمقاومة المسلحة الفلسطينية في الداخل والخارج.
تعتقد أميركا وحلفاؤها ان الخيار الأوحد والأنجح للقضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة ومشروع التحرّر العربي ينحصر في القضاء على المقاومة اللبنانية، والذي يعتبر الممر الإلزامي أيضاً لإسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران، وسلبها أكثر اوراق القوة التي تتحالف معها، والتي استطاعت ان تساند إيران منذ انطلاقه الثورة ولعبت دوراً رئيسياً في حمايتها وتشكيل "المحور المقاوم"، حيث وصف رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو "السيدَ الشهيد" بانه "محور المحور".
تقف المقاومة في هذه اللحظات الصعبة أمام تحديات وضغوطات كبرى تضعها امام مفترق خيارات ستحدد مستقبلها ومستقبل لبنان، وتساهم في رسم مستقبل المنطقة ل50 عاماً قادمة، مما يحملها مسؤولية عدم التهور والتسرّع، باتخاذ أي موقف ويفرض عليها الصبر والتفكّر والنضج والعقلانية والموضوعية، والالتزام بالحكم الشرعي، ولو تناقض مع الموقف السياسي او الالتزامات الأدبية والتحالفات مع الآخرين، لأن أي قرار تتخذه سيحدّد مستقبل الجماعة التي تنتمي إليها ومستقبل لبنان؛ إما ان يكون حرّاً ومستقلًا او بلداً تابعاً مُستعبداً ومحتلاً.
شكّلت المقاومة اللبنانية رمزاً ونموذجاً وقدوة لحركات التحرّر العربية، وتصدّرت المشهد السياسي اللبناني والعربي والاسلامي طوال ثلاثة عقود، وكان لها دورها الوطني والإقليمي، مما جعلها قوه مؤثره لا يمكن تجاوزها، ولا زالت تتمتع بهذه القوة مع كل هذه الضربات التي تلقتها وأضعفتها جزئياً، وهذا ما تعترف به أميركا و"إسرائيل"، ويصرّون على نزع سلاحها، لأنهم يخافون من ان تستعيد قوتها وتُعيد تخريب المشروع الأميركي وإلحاق الخسائر به ومنعه من استثمار انتصاراته "المؤقتة" في سوريا ولبنان وغزة.
المقاومة أمام ثلاثة خيارات:
- الصبر والإعداد لاستعادة قواها، وشراء الوقت بالقرابين اليومية من الشهداء، للتمكن من المواجهة، ولذا فهي تتحمّل الخسائر البشرية باغتيال قادتها وعناصرها وخسارتها المعنوية أمام الراي العام بسبب عدم الرد.
- الاستسلام والموافقة على تسليم السلاح، وحلّ الجناح العسكري، مما يضيّع كل الانتصارات والإنجازات التي حقّقها كل المقاومين منذ انطلاقة المقاومة بعد احتلال فلسطين وتضييع الماضي وبيع المستقبل دون ثمن .
- المواجهة العسكرية الميدانية المتسرّعة، والتي ستفسح المجال امام التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" للقضاء على المقاومة في لحظة عدم توازن القوى، وهذا ما تحاول المقاومة تجاوزه ،بانتظار اللحظة المناسبة لإعادة إحياء المواجهة العسكرية، والتي يمكن ان لا تتأخر مع تبديل في الوسائل والخطط والأساليب.
عاد أهل الجنوب، والطائفة الشيعية خصوصاً، الى المربع الأول قبل اجتياح عام 78، وبظروف أسوأ، حيث توسّعت جغرافيا الترهيب والقتل "الإسرائيليَّين"، لتشمل كل لبنان.
لا تُرهقوا المقاومة ولا تُحرجوها بمطالبتها بالرد في هذا التوقيت، فالظروف أكثر صعوبة، ولا من نصير ولا معين سوى الله سبحانه وتعالى، وعلى المقاومة إسكات بعض السطحيين "الببغائيين" الذين يطلقون التهديدات الفارغة ويسيئون للمقاومة، والتخلي عن المبالغات، وتحديد المواقيت والقدرات...
ارفقوا بها فجراحها لا زالت تنزف، ولن تترك العدو ينهش أجسادكم.. اطمئنوا فالفرج قريب بإذن الله سبحانه.
المقاومة... وخيارات الصبر والاستسلام والمواجهة ــ د. نسيب حطيط
الأربعاء 04 حزيران , 2025 10:42 توقيت بيروت
أقلام الثبات

