أقلام الثبات
شكّل انهيار الإتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي، نقطة ّتحول باختلال توازن القوى بين المعسكرين الشرقي والغربي ،فرجحت كفة القوة الغربية بقيادة أميركا التي صارت القطب الأوحد منذ ثلاثة عقود، وخسر محور التصدي والصمود العربي دولاً وحركات تحرّر حليفاً استراتيجياً وداعماً أساسياً على المستوى العسكري والسياسي والانمائي والتعليمي ،حيث كانت الجيوش وحركات المقاومة، تعتمد في تسليحها على السلاح السوفياتي وكذلك في المنح الدراسية ،عندما فتحت الجامعات الروسية والكتلة الشرقية أبوابها أمام الفقراء، بعدما كان العلم حكراً على الأغنياء والجامعات الغربية والتبشيرية .
استطاعت الثورة الإسلامية في ايران ملء بعض الفراغ الذي أحدثه الانهيار السوفياتي، وتعهّدت ايران بدعم الأنظمة وحركات المقاومة في المنطقة، وصولاً لتشكيل "محور المقاومة" الذي استطاع مشاغلة ومقاومة المشروع الأميركي طوال ثلاثة عقود ولا زالت الحرب في ذروتها بينه والمشروع الأميركي - "الإسرائيلي" في غزة ولبنان واليمن والعراق، مع خساره استراتيجية اصابت هذا المحور ،بسقوط سوريا وخروجها من المحور المقاوم الى موقع الحليف "لإسرائيل" والمعادي لقوى المقاومة، بالتلازم مع تلقي المقاومة في فلسطين ولبنان ضربات قاسية تكاد تُخرج المقاومة المسلّحة في فلسطين من دائرة التأثير في القضية الفلسطينية، وتُقيّد وتُحاصر المقاومة في لبنان والتهديد بنزع سلاحها، استكمالاً للمشروع الأميركي الهادف لنزع كل سلاح يهدد "إسرائيل" وأميركا.
لم يستطع الإتحاد الروسي وراثة الإتحاد السوفياتي على المستوى العالمي، بعدما فتح له محور المقاومة أبواب المنطقة من جديد ،من البوابة السورية قبل 10 سنوات ،مما أعطاه حضوراً سياسياً وقوة تفاوض وشراكة في تقرير مصير سوريا وأعادتها الى الساحة الدولية، لكنه أخطأ استراتيجياً بالتخلي عن سوريا وقبول سقوط النظام ،تحت وطأة الحرب الأميركية عليه ، بقفازات أوكرانية والتي غرق في مستنقعاتها منذ ثلاث سنوات ويمكن ان تستمر، كحرب استنزاف تشابه حرب الاستنزاف التي تعرّض لها الإتحاد السوفياتي في افغانستان وانتهت، بانسحابه وتفكّك الاتحاد السوفياتي.
ان ضعف وهزيمة روسيا ،سينعكس سلباً على ما تبقى من محور المقاومة وخاصة إيران، حيث سيتم تحييد روسيا عن اي تحالف إيجابي ويُضيّق الخناق على إيران على مستوى التحالفات ويزيد نقاط القوة للمحور الأميركي الذي يستفرد بإدارة المنطقة وفق مصالحه، بعد إخراج روسيا من دائرة الشراكة والتي يمكن ان يتصاعد الضغط عليها لإخراجها كليّاً من سوريا وطردها من الساحل السوري وحرمانها من الشراكة في استثمار الغاز، لصالح أميركا بعد وقوعها في خديعة التخلّي عن بشار الأسد!
إن الضربة العسكرية القاسية التي تلقتها روسيا، بتدمير طائراتها القاذفة الاستراتيجية ،بمسيّرات اوكرانية تشكّل هزيمة عسكرية ومعنويه ألحقها - ظاهراً - خصم ضعيف زيلنسكي بالقيادة الروسية واستطاعت التكنولوجيا الأميركية البسيطة الكلفة والعالية التخطيط، أن تكون بديلاً، لغزو الجيوش ،مستفيدة من ضعف وهزال الدفاع الروسي وتشكل جرس إنذار لإيران وتجعلها في دائرة الترقب والحذر، بالتلازم مع الأنباء التي تشيعها اميركا عن فك الارتباط والتنسيق مع "إسرائيل" بخصوص الملف الإيراني او مسرحية إبعاد المؤيدين "لإسرائيل" من الإدارة الأمريكية ،لأن أميركا تعرف سذاجة العرب والشرقيين الذين تخدعهم التصريحات والقرارات الشكلية، فيعتقدون بوجود خلاف أميركي - "إسرائيلي" ولا يفكرون ان ما يجري ضمن إستراتيجية الخداع والتضليل والتمويه، لإنجاز هدف ضرب ايران.
ان تردّد محور المقاومة وحليفته روسيا ،بالرد او مواجهة العدوان وعدم وحدة الساحات ميدانياً، أفقد هذا المحور المبادرة وشتّت قوته التي خسرها ساحة بعد الاخرى وقائداً بعد الآخر، وكانت أميركا أكثر ذكاء وجرأة وخداعاً ،فاستطاعت حصد النقاط في حربها ولا زالت تجبي الأموال من الخليج والانتصارات في الساحات ولا يزال محور المقاومة في دائرة التهديد يخسر نقاط قوته ويحصد الخسائر (ولا يعترف بها) مرابطا على كلمة "إذا..." وهو يشاهد سقوط ساحاته واغتيال قادته ونزع سلاحه ولا يبادر للهجوم لحفظ ما تبقى.
كان باستطاعة روسيا تقليل خسائرها، لكنها انحازت للتفاوض والتهدئة "والأنانية"، فوقعت في الخديعة ودفعنا بسبب ذلك أثماناً كبيرة، وستدفع إيران وروسيا أثمانا كبيرة، ولن تستطيعا النجاة من الهجوم الأميركي المباشر او غير المباشر (اميركا تفاوض و"إسرائيل" تقصف) كان باستطاعتهما تجاوزها وحماية حلفائهما الذين قاتلوا وصمدوا حتى الاستشهاد.
يبدو ان العد العكسي لتفكّك الاتحاد الروسي قد بدأ ويبقى السؤال: متى تتفكّك روسيا الكبرى؟
هزيمة روسيا... وآثارها السلبية على محور المقاومة _ د. نسيب حطيط
الثلاثاء 03 حزيران , 2025 09:22 توقيت بيروت
أقلام الثبات

