خاص الثبات
هنيئاً لمن عاش في زمانك، وهنيئاً لمن نهل من معين روحك، واستنشق نسائم ثورتك التي أيقظت أمة بأكملها من سبات عميق، أمة كادت تفقد البوصلة، فجعلت من معينك نبراساً يهدي في ظلمة الطريق.
أيها الإمام العظيم، يا باعث النهضة الإسلامية في هذا القرن، لست مجرد فقيه ثائر أو قائد سياسي، بل أنت روح تسري في الأمة، وكلمة عليا أذن الله أن تُرفع، وبقيت عالياً بها، كما بقيت كلمات الله عاليات لا تنطفئ.
أنت مصداق لحديث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها"، فجئت أنت لتجدد الإيمان في القلوب، وتبعث في الأمة عزّتها، وتؤسس دولة من نور، دولة لا تنافس بترسانات السلاح فقط، بل تتحدى الطغاة بالعلم، وتقارع الكبار بالأخلاق، وتعلّم أبناءها أنّ السجود لا يكون إلا لله.
قمتَ بثورتك لتقول "لا" في زمن استكان فيه الكثيرون. قلتها بوجه أميركا وسميتها "الشيطان الأكبر"، وقلت "لا" لإسرائيل، فكنت صوت المستضعفين، وأمل المظلومين، ونبراس الأحرار.
لم تكن دعوتك لتوحيد الصف الإسلامي موقفاً سياسياً عابراً، بل كانت دعوة إيمانية ثابتة، تستمد قوتها من يقينك بأن الأمة الواحدة لا تبنى على المصالح الضيقة، بل على الروح الإلهية التي جمعت بين الأنبياء وأتباعهم، بين الحسين وأصحابه، بين الحق والصبر.
أعدت إلينا روح الإسلام المحمدي الأصيل، ذلك الإسلام الذي يحمل في كفه الرحمة للمؤمنين، وفي كفه الآخر شدة على الكفار والمعتدين. فكنت العارف العابد، والفقيه العامل، والمجاهد الذي لا يلين.
صورة الإمام فينا، لم تبهت برحيله، لأنك لم تكن جسداً فقط، بل كنت روحاً ممتدة، وأثراً باقياً، ومنارة يهتدي بها التائهون. فكما قال أمير المؤمنين: "العلماء باقون ما بقي الدهر"، كذلك كنت، بل كنت الإمام الذي جمع فيك العلم والجهاد، والقول والفعل، والعقل والنور.
علمتنا أنّ الدين لا ينفصل عن الدولة، وأن السياسة من غير إيمان كجسد بلا روح، وأن النصر لا يأتي إلا من عند الله، ولا يدوم إلا في كنف التقوى.
تلامذتك، وعلى رأسهم السيد الخامنئي دام ظله، كانوا ظلّك الذي لم يغب، ونهجك الذي لم ينكسر. ساروا على دربك، يحملون رسالتك في قلوبهم، ويهتفون بكلماتك في ساحات الأمة: "الدين هو طريق رقي وازدهار الشعوب".
يا من وقفت في وجه الطغاة، لم يغرّك الملك، ولم تُغوِك الدنيا. كان هاجسك الآخرة، وكان شعارك: ﴿كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾.
هنيئاً لمن عاش في زمانك، وهنيئاً لمن سمع صوتك وهو يشق جدران الصمت، يهتف للحق، وينذر نفسه لله.
وإن كانت الأرواح تُحيا بعد الموت، فاعلم أن روحك اليوم تحيا فينا، في كل مستضعف يرفض الذل، في كل حرّ ينشد العدل، في كل مؤمن لا يقبل أن تكون كلمة الله هي السفلى.
يا إمامنا، يا روح الله، نحن على العهد.