أقلام الثبات
هو مَدِين بولادته - كرئيس - للثنائي القطري - التركي، وهذا ما يغيظ السعودية ومصر، وهو في نظر العراقيين والأردنيين ذلك الجولاني صاحب السوابق.
صُنِع بإشراف مخابراتي بريطاني، يرتاح لفرنسا ويخشى أميركا، ولا مشكلة لديه لو اقتطعت "إسرائيل" جنوب سورية وباتت على بوابة دمشق، ما دام قابعاً على كرسي الرئاسة سفيراً للجميع في بلاده.
عملية استيلاد أحمد الشرع من رحم "النصرة" كانت قيصرية، و"تدجين" شخص مثل "أبو محمد الجولاني" يستلزم ترويضاً قبل التدريب، وليس مستغرباً ما قاله السفير الأميركي السابق روبرت فورد: إن تأهيل الجولاني ليكون أحمد الشرع استغرق ثلاث سنوات، بإشراف مخابراتي تحت عنوان "سرِّي للغاية" لخلافة الرئيس بشار الأسد.
المسؤولة المباشرة عن تدريبه وتقييم أدائه، واللصيقة به في القصر الرئاسي السوري وفق تصريح روبرت فورد، هي كلير حجاج؛ مديرة منظمة إنتر ميديت البريطانية "British Organization Inter Mediate" التي يرأسها "جوناثان باول"؛ رئيس جهاز الأمن الوطني البريطاني حالياً، ومسؤول الجماعات الإسلامية في جهاز المخابرات البريطانية، الذي هندس عملية تدريب أحمد الشرع.
وكلير حجاج التي درَّبت الجولاني على عملية التحول السياسي منذ عام ٢٠٢٠ الى ٢٠٢٣ هي فلسطينية بريطانية من أم يهودية، وتقيم حالياً في القصر الجمهوري للإرشاد والتوجيه، وهي التي تتولى إعداد وتنسيق الزيارات الخارجية للرئيس أحمد الشرع.
وكلير حجاج يبدو أنها صانعة القرارات الخارجية لأحمد الشرع، وصائغة مواقفه الليِّنة مع كل الخارج، بهدف تسويقه، لكن الداخل الذي يغلي يبدو أنه بأيدي المجموعة التي ترافقه في اللقاءات والنشاطات اليومية، سواء كانوا وزراء أو مستشارين مقرَّبين، ويبدون وكأنهم ممثِّلين للفصائل المتحالفة مع هيئة تحرير الشام، يُملون على الشرع ما يرونه مناسباً من إجراءات داخلية بمنطق الميليشيات، حيث تنتشر الفوضى، خصوصاً في العاصمة دمشق، التي تكاد تنفجر سكانياً جراء نزوح أبناء المحافظات الأخرى إليها، وتغيَّر وجهها الحضاري والثقافي بوجود الأجانب من الأوزبك والإيغور والشيشان، وعبقت الأحياء التي كانت تنتشي بعطر الياسمين الدمشقي بروائح نتانتهم، على حد قول أحد أبناء دمشق.
ويبدو أحمد الشرع وكأنه يحمل علاقة مفاتيح بوابات دمشق الخارجية، ويسعى لإرضاء قطر التي حرِدَت منه لأنه أسند فقط ثلاث وزارات غير أساسية للمقربين منها، ويتوسَّل تركيا مساعدته في دمج ثلاثين ألفاً من "الجيش الوطني" المقرب منها بوزارة الدفاع، وأردوغان يستمهل تنفيذ الخطوة، وفيما السعودية تراقب أداء الشرع لجهة قدرته على مواجهة من تعتبرهم إرهابيين، لم تسقط عنه العراق هذه التهمة، وتتعامل معه الأردن بكثير من الحذر.
ويقدِّم الشرع التنازلات لمن يرغب، إلى حدود الانبطاح للحكومة "الإسرائيلية" التي دمرت جيش بلاده ومزَّقت ما بقي من هالة سيادية، وفي الوقت الذي يستمر في محاورة الأكراد حول شكل دولتهم "الفدرالية"، يفشل في محاورة الدروز حول "دولتهم"، فيما يبتعد الساحل عن مركزية دمشق بمقدار حجم المجازر التي ارتُكبت بحق العلويين، بدأت بعض البلدات والقرى المسيحية بدفع الجزية تحت طائلة التنكيل والتهجير.
المُستجدّ في الواقع السوري، أن "بركة" ترامب التي حلَّت على الشرع في السعودية، أنزلت الدولار أمام الليرة السورية إلى النصف، لكن الأسعار ما زالت في طور التحليق، ورفع العقوبات الأميركية لم ولن يحصل قبل تطبيق الشرع الشروطَ القاسيةَ التي قد تُلزمه بطرد الأجانب عسكرياً كخطوة أولى، ووسط تذمُّر شعبي دمشقي منه ومنهم، لا يبدو أن الشارع الجماهيري على استعداد لمناصرة من أتى إلى الحكم على صهوة "النصرة".