خاص الثبات
في لحظة سياسية مفصلية يمر بها لبنان والمنطقة، خرج نواف سلام عن صمته وتحدث للمرة الأولى بكل وضوح عن رؤيته لما سمّاه "السلام"، معلنًا دون مواربة في مقابلة مع سي أن أن عربية، أن "التطبيع جزء لا يتجزأ من السلام الذي نرغب في رؤيته غدًا وليس بعده". هذا التصريح، الصادر عن رجل يُفترض أنه رئيس حكومة بلد قاوم ودمّر أحلام العدو، لم يكن مجرد زلة لسان، بل إعلان موقف استراتيجي يحمل في طياته خطورة سياسية وأخلاقية.
من محكمة لاهاي... إلى أحضان التطبيع
نواف سلام، الذي شغل منصب قاضٍ في محكمة العدل الدولية، لم يكن يومًا شخصية سياسية منبتّة عن المشروع الغربي في المنطقة، لكنّه كان أكثر حرصًا في السابق على ارتداء قناع الحياد ورفع شعارات السيادة والدستور. اليوم، سقط القناع. وسقط معه وهم الاعتدال والحرص على "الخط الوطني".
بكلمات صادمة ووقحة، تحدّث سلام بلغة لا يمكن فصلها عن الانحدار العربي الرسمي الذي افتتح بوابة العار نحو تل أبيب، بدءًا من كامب ديفيد، مرورًا بـ17 أيار، وليس انتهاءً بقطار "السلام الإبراهيمي" الذي يمر من فوق جراح فلسطين وبقايا شهداء صبرا وشاتيلا.
التطبيع خيانة... لا وجهة نظر
ما قاله نواف سلام ليس اجتهادًا سياسيًا، ولا قراءة لموازين القوى، بل موقف خياني مغطى بلغة القانون. عندما يتحدث رئيس حكومة محتمل في لبنان، البلد الذي لا يزال يُعاني من العدوان الإسرائيلي المباشر وغير المباشر، عن "التطبيع"، فهو لا يبشّر بالسلام، بل يُمهّد للاستسلام.
التطبيع خيانة... لا وجهة نظر. ومن ينظر إليه كجزء من الحل، يكون قد انتقل فعليًا إلى معسكر آخر، معسكر باع قضايا الأمة مقابل ابتسامات دافوس وصفقات الغاز.
يا نواف... لبنان ليس مزرعة خليجية
خطاب نواف سلام يوحي وكأن لبنان قد تحول إلى قطعة من الرمال النفطية التي تساير مشاريع "السلام الأمريكي". لكنه غفل عن حقيقة راسخة في وجدان اللبنانيين: أن لبنان ليس للبيع. لا يُساير، ولا يُطبع، ولا ينكسر. هذا البلد الذي قدّم خيرة شبابه شهداء في مواجهة الاحتلال، لن يسمح لمرتزقة السياسة بتزييف تاريخه أو بجرّه إلى حضن العدو.
دروس التاريخ لا تُنسى
نسي نواف سلام – أو تناسى – ما جرى في 17 أيار 1983، حين حاولت حكومة لبنانية توقيع اتفاق ذل مع العدو الإسرائيلي تحت وصاية أمريكية. سقط الاتفاق، وسقط معه رموزه في مزبلة التاريخ. وأثبت اللبنانيون أن الأرض لا تُسلّم، وأن المقاومة ليست خيارًا بل هوية.
إسقاط مشروع التطبيع ضرورة وطنية
تصريحات نواف سلام الأخيرة لا يمكن أن تمر مرور الكرام. هو لا يُمثّل فقط نفسه، بل يطرح نفسه بديلاً سياسيًا لإدارة الدولة في هذه المرحلة الحساسة. ولهذا، فإن إسقاط مشروعه ضرورة وطنية، ليس فقط لأنه يُروّج للتطبيع، بل لأنه يمثل نموذجًا جديدًا من التنظير الخياني المغلف بالقانون.
على كل لبناني حرّ، على كل مقاوم، على كل من لا تزال في عروقه قطرة كرامة، أن يقولها بوضوح:
لا نواف، لا تطبيع، لا مساومة.
لبنان قاوم، وسيقاوم، وسينتصر... وكل مشاريع التطبيع إلى مزبلة التاريخ.