خاص الثبات
منذ متى يُعتبر الانخراط في خطاب العدو موقفًا وطنيًا؟ هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه بعد كلام رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، دفاعًا عن الموقف الخطير الذي أطلقه وزير الخارجية يوسف رجي (أو "وزير خارجية جعجع" بحسب التحالف السياسي القائم)، والذي اعتبر فيه أن "حزب الله تنظيم مسلح خارج عن القانون" – في لحظة حرجة تتكالب فيها التهديدات الإسرائيلية على لبنان وتتصاعد فيها وتيرة الاستهداف للمناطق الجنوبية والبقاعية والضاحية.
جعجع لم يكتفِ بتجاهل الكارثة الدبلوماسية والسياسية التي ارتكبها ممثله في الخارجية، بل ذهب أبعد من ذلك، واعتبر أن كلام الوزير يمثل موقف الحكومة و الدولة اللبنانية. أي دولة؟ أهي الدولة التي من واجبها حماية جميع مكوناتها الوطنية، أم الدولة التي تفوّض أعداءها بقتل مواطنيها بحجة “الخروج عن القانون”؟
ما قاله وزير الخارجية، وما ثبّته جعجع، ليس رأيًا سياسيًا، بل هو تبنٍّ مباشر لسردية صهيونية طالما سعت إلى شرعنة عدوانها ضد لبنان بذريعة “محاربة الإرهاب”. أن يصدر هذا الكلام من رأس الدبلوماسية اللبنانية، وبدعم صريح من رئيس ميليشيا سياسية، فهذه خيانة موصوفة، لا لبس فيها.
لو كنا فعلًا في دولة قانون، كما يطالب جعجع دومًا في خطاباته “السيادية”، لكان هذا الوزير يخضع اليوم للتحقيق بتهمة التحريض على استهداف مواطنين لبنانيين، بل وربما بتهمة الخيانة العظمى، لأنه – وبكلامه – قدّم غطاء سياسيًا مسبقًا لأي عدوان إسرائيلي قادم. وهل يُعقل أن نطلب من العالم حماية المدنيين بينما يتهمهم وزيرنا بـ"التمرد" على الدولة؟!
إن الإصرار على تحويل المؤسسات الرسمية إلى أدوات في الصراع السياسي الداخلي، واستخدامها كمنصات لتصفية الحسابات مع الخصوم، يُعرّض لبنان لأخطر أنواع الانقسام: الانقسام حول تعريف الوطن، والانقسام حول مفهوم السيادة، والانقسام حول من يجب أن يُحمى، ومن يجوز تسليمه للعدو.
جعجع، في بيانه، لم يدافع فقط عن وزير خارجيته، بل دافع عن استراتيجية كاملة عنوانها استدراج الخارج ضد الداخل، وهي سمة تتكرر في مسيرته منذ الثمانينات وحتى اليوم. وما تغيّر فقط هو الخطاب، أما المضمون فهو ذاته: مشروع تفتيت لبنان من الداخل.
ما يحتاجه لبنان اليوم ليس وزيرًا للخارجية يوقّع بيانات الاتهام ضد مكوّنات الشعب اللبناني، ولا متزعماً سياسيًا يبارك هذه المواقف من وراء الستار، بل حكومة ومؤسسات تقف صفًا واحدًا بوجه أي اعتداء خارجي، وتضبط الخلافات الداخلية ضمن سقف المصلحة الوطنية العليا.
في وجه العدو لا حياد. وفي زمن التهديد الوجودي، لا مكان للخطابات "السيادية" المزيفة التي تُجيد التحريض ولا تُجيد الدفاع عن الأرض.