خاص الثبات
في موقف أقل ما يُقال فيه إنه نكسة وطنية أخلاقية قبل أن يكون سقطة دبلوماسية، خرج وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي بتصريحات صادمة تدعو للاستغراب – لا لسبب إلا لأنها صدرت عن من يفترض به أن يكون حارس الكلمة المتزنة في ميزان العلاقات الدولية، لا ناطقاً باسم مشاريع الفتنة القواتية.
حين يتجرأ وزير الخارجية على توصيف المقاومة بأنها "تنظيم مسلح خارج عن القانون"، ويتعمد نسف معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" التي صيغت بدماء الشهداء وعذابات الأسرى وصبر الأمهات، فهو لا يعبّر عن توجه دولة، بل عن أحقاد شخصية ومواقف أيديولوجية تابعة لمحاور خارجية لا تجد مصلحتها في بقاء لبنان قوياً بمنطق الردع، بل تسعى لتجريده من كل عناصر قوته.
المفارقة أن الوزير نفسه يتحدث عن "سيادة الدولة"، في الوقت الذي يتماهى فيه خطابه مع خطاب العدو الصهيوني، حرفياً لا مجازاً. فمتى كانت السيادة تُبنى على التنكر لأبناء الوطن الذين واجهوا الاحتلال؟ ومتى كانت الوطنية تعني الرضوخ للمنصات الأميركية والتهليل للمبعوثين الغربيين، بينما يُقصف الجنوب وتُغتال قيادات المقاومة وتُنتهك الأجواء اللبنانية بلا رد؟
تاريخياً، لم تكن المقاومة اللبنانية يوماً عبئاً على الدولة، بل كانت ولا تزال صمّام أمانٍ في وجه المشاريع التي أرادت للبنان أن يكون مجرد ساحة مفتوحة لا دولة ذات كرامة. والقول بأن "الشعب اللبناني لم يعد يريد هذه الثلاثية" هو قفز فوق إرادة ملايين اللبنانيين الذين يرون في المقاومة ضرورة لا خياراً، وفي معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" توازناً يحمي ولا يهدد.
حين نقول لوزير الخارجية: "اختر بين منطق حاجز البربارة أو الدبلوماسية"، فإننا نختصر المعضلة بكلمات قليلة. فإما أن تختار موقع الدولة الحقيقية التي تحمي أبناءها، أو أن تذهب إلى منطق التفتيش على رضا السفارات الذي يمر عبر شتم المقاومة والتحريض على جزء أساسي من النسيج اللبناني.
في المحصلة، لا يحق لوزير خارجية أي وطن – لا لبنان فحسب – أن يتحدث بلغة العدو، ولا أن يُعبّر عن أحقاد شخصية ويغلفها بغلاف السيادة. من أراد أن يزايد على المقاومة فليعد إلى التاريخ، ومن أراد أن يتحدث باسم اللبنانيين فليجرِ انتخابات حرة على قاعدة هذه الثلاثية، وسيرى من الذي بقي، ومن الذي "انتهى".