أقلام الثبات
أنهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب جولته لجباية الأموال اللازمة لتسديد نفقات الحرب على غزة ولبنان واليمن، واستكمال مراحلها الأخيرة لتهجير غزة والقضاء على حركات المقاومة التي تمثّل عدواً مشتركاً لأميركا و"إسرائيل" وأغلب العرب الذين يعجزون عن تصفيتها بقدراتهم العسكرية ويرغبون بالتخلص من القضية الفلسطينية التي أقلقتهم اكثر من 70 عاماً ويريدون التفرّغ للترفيه واللهو والاستثمارات في رحاب "الدين الجديد"؛ "الديانة الإبراهيمية"، وإلههم الجديد "أميركا" ويعودوا الى جاهليتهم الأولى؛ عندما كانوا يعبدون الأصنام بعدما بنوا كعبتهم الجديدة في "البيت الإبراهيمي الثلاثي".
تراقصت نساؤهم ورجالهم احتفاء بوصول "الإله الأميركي" ولوّحوا بسيوفهم طرباً، ردّاً على عملية "السيوف الحديدية" الإسرائيلية ضد أهالي غزة، والتي لا زالت تُذبح وتُقتل في قوافل التهجير المستمر من الشمال الى الجنوب ومن الجنوب للشمال ، وصولاً، للإبادة الجماعية او التهجير الجماعي الذي يبدو ان الحرب لن تتوقف حتى تنفيذ المشروع الأميركي - "الإسرائيلي" ،المموّل عربياً والتي تساهم فيه تركيا بصفتها المرشد الأعلى للإخوان المسلمين في العالم.
بدأ "العصر الخليجي" لحكم وقيادة ما تبقى من الأمة العربية ،بعد تدمير دمشق وبغداد وسبي القاهرة وحصار لبنان ،مما سهّل على أميركا تنصيب الخليج بقيادة السعودية ،وكيلاً لها وقائداً، مقابل المال والتطبيع والديانة الإبراهيمية.
بدأت مرحلة سيطرة حكم المال، للأمة وإعدام الفكر والثقافة والأحزاب والإعلام الحر الملتزم الذين يتسببون بوجع الرأس للأمراء والعودة الى مقولة من "تمنطق فقد تزندق" وان "الفلسفة كفر وإلحاد" والعلم والمعرفة تجرؤ على الحاكم الذي يقرّر وعلى العامة ان تطيعه، كممثل لله سبحانه على الأرض حتى لو كان ظالماً او فاسقاً او شارباً للخمر ولو كان قوله متناقضاً مع قول الله سبحانه ورسوله!
يولد "الشرق الاوسط الجديد" من رحم غزة المغتصبة المثخنة بالجراح وأولى علاماته ،عدم وجود فلسطين في خريطته ولا وجود للإسلام الاصيل في ثقافته وسيكون المقيمون فيه عبيداً، برتب وألقابٍ مختلفة ،مقابل بقائهم على قيد الحياة!
لا زالت بعض "جمرات" المقاومة في غزة ولبنان والعراق واليمن تقاوم رياح إطفائها رغم عدم التوازن في القوى ورغم الجراح والحصار وظلم ذوي القربى الذين يشاركون بسفك دماء المقاومين ويدفعون رواتب الجيش الإسرائيلي الذي يقتلهم وثمن القذائف والرصاص الأميركي الذي يبيدهم.
يغرق بعض الساذجين بوهم الخلاف بين "نتنياهو" و"ترامب" ويطبّلون لاتساع الهوّة بينهما، لكن الحقيقة ان الجميع يسقطون في هذه الهوة التي يحفرها ذكاء "نتنياهو وترامب" ويصدقها البسطاء والسذّج المراهنين على خلاف أميركي_ إسرائيلي وينسون ان اسرائيل دولة وظيفية وأداة تنفيذية للإدارة الأمريكية لتنفيذ مشاريعها دون ان تتلوّث علناً في الأعمال القذرة من الإبادة والقتل والتي يقوم بها ذراعيها في المنطقة (إسرائيل والجماعات التكفيرية ) ويموّلها عرب الخليج ويعلن شرعيتها الوهمية بقرارات جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمه التعاون الإسلامي.
تستكمل أميركا حربها على المشروع المقاوم في الأمة وتحرز نجاحات متسلسلة، مما يشجعها على متابعة مشروعها لصناعة الشرق الاوسط الجديد الذي تحكمه "إسرائيل الكبرى" على جثة الأمة العربية وأنقاض الأمة الإسلامية.
ويبقى السؤال: هل نستسلم للمشيئة الأميركية - "الإسرائيلية"، أم نواصل رفضنا ومقاومتنا رغم كل الصعوبات والحصار والقتل وقلة العدد والانصار؟
هل مقاومة المشروع الأميركي - "الاسرائيلي" يؤدي الى التهلكة؟
هل الموافقة على الاستسلام ونزع السلاح ،يمكن ان يكون طريق النجاة؟
إن تجارب من استسلم لأميركا، لا تشجع على الاستسلام ،من اتفاقية "كامب ديفيد" في مصر الى "وادي عربا" في الأردن الى " أوسلو" في فلسطين ، سواء بالمعطى المادي او المعنوي ،بالإضافة الى عدم جواز الاعتراف بإسرائيل، مما يُوجب سلوك طريق الواقعية والموضوعية والحكمة والاحتفاظ بما تبقى من قوة والصبر على القتل والغدر والتفرّغ لحماية وطننا دون تشتيت قوتنا في ساحات أخرى، بانتظار اللحظة المؤاتية، لاستعاده المبادرة وان لم نستطع الانتصار في هذه المعركة، فعلى الأقل ان لا نُقيّد الأجيال القادمة بتوقيع اتفاقيات التطبيع والاستسلام والتنازل عن الحقوق ،فربما يستطيعون تحقيق ما عجزنا عنه.
العرب يموّلون إبادة غزة وحركات المقاومة _ د. نسيب حطيط
السبت 17 أيار , 2025 11:32 توقيت بيروت
أقلام الثبات

