خاص الثبات
بعد سبعة وسبعين عامًا عجافاً، ما زالت جريمة النكبة ماثلة أمام أعيننا، وشاهدةً على خذلان أمة تفرقت بها السبل وتكالب عليها خصومها. سبعة وسبعون عامًا والجرح الفلسطيني ينزف، ويروي حكايات صمود أسطوري ومقاومة باسلة في وجه محاولة مستمرة لاقتلاع جذورنا من أرضنا المقدسة وطمس هويتنا العريقة.
لقد مرّت عقود سبع، والشاهد الحق يرى بأم عينيه غطرسة المحتل الذي يظن واهمًا أن تقادم الأيام كفيل بإخماد جذوة الإيمان بحقنا في قلوبنا، أو إضعاف عزمنا الذي استمد قوته من قوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]. هيهات لمن راهن على نسياننا أو استسلامنا، فسنبقى شوكةً في حلق الظالمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
سبعة وسبعون عامًا والاحتلال يتخيل أن بناء الجدران العازلة، وتكديس صنوف الأسلحة الفتاكة، وارتكاب أبشع المجازر كفيل بخلق شرعية زائفة على أرض مباركة لا يملك فيها ذرة تراب. يظن أن إرهابه المنظم سيجعلنا نرفع الراية البيضاء ونستكين.. لقد خاب فألهم وخسئ مسعاكم، فإرادة الحق أقوى من جبروت الباطل.
وها نحن هنا، بعد كل هذا الألم، نقف على ذات الأرض التي ارتوت بدماء شهدائنا الأبرار، أشد صلابةً، وأقوى إصرارًا، وأكثر تمسكًا بحق العودة المقدس والتحرير الكامل.
سبعة وسبعون عامًا ونحن نثبت للعالم أجمع أن هذا الشعب العظيم لا يعرف الانكسار، وأن عزيمته مستمدة من قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: 38]، فالمقاومة ليست خيارًا نتخيره، بل هي قدرنا ومصيرنا ووجودنا المتجذر في هذه الأرض الطيبة.
ما زلنا نقاوم، وسنبقى نقاوم.. نقاوم بالحجر الذي يسجل غضب الأرض، وبالبندقية التي تدافع عن كرامة الأمة، وبالكلمة الصادقة التي تفضح زيف الاحتلال، وبالصورة التي تنقل للعالم حقيقة معاناتنا وصمودنا.. نقاوم بصمودنا في بيوتنا التي عشقناها، وبتمسكنا بهويتنا العربية والإسلامية الأصيلة، وبالرفض المطلق لهذا الاحتلال البغيض الذي لم يرَ منا إلا عنادًا وإصرارًا.. مقاومة تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، تشتعل جذوتها المقدسة من رماد البيوت المهدمة، وتستمد قوتها وعزيمتها من عدالة قضيتنا وقدسية أرضنا المباركة.**
سبعة وسبعون عامًا وهم يحاولون دفننا أحياء تحت ركام ظلمهم، ونحن نبعث من تحت هذا الركام كطائر الفينيق الأسطوري، نحمل في يدنا غصن الزيتون رمز السلام الذي لا يتحقق إلا بالعدل، وفي اليد الأخرى سلاح العزة الذي يحمي حقنا المسلوب، لأننا نعلم يقينًا أن السلام الحقيقي لا يصنعه المستسلمون الخانعون، بل يفرضه الأحرار الشرفاء بقوة إيمانهم وعزيمتهم التي لا تلين.
النكبة ليست نهاية القصة، بل هي بداية ملحمة شعب أبيٍّ اختار أن يقاوم الظلم حتى يتحقق وعد الله الحق، وهذه الذكرى السابعة والسبعون ليست مجرد وقفة لتأبين ما مضى من آلام، بل هي صرخة مدوية لتأكيد أن القادم حتمًا هو التحرير والعودة إلى ديارنا، وأن ساعة الحساب مع هذا الاحتلال الغاشم تقترب بإذن الله، فكل حبة رمل من رمال فلسطين الطاهرة، وكل شجرة زيتون شامخة، وكل حجر في قدسنا الأبية ينادي بالمقاومة ويدعونا للثبات.
هذه الأرض أرضنا، وستبقى أرضنا، وكل محتل مهما طال بقاؤه إلى زوال، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق: 15-17].
سبعة وسبعون عامًا ولم ولن ننسى.. سبعة وسبعون عامًا وما زلنا نقاوم، وسنبقى نقاوم بكل ما أوتينا من قوة وعزيمة وإيمان حتى يصدق وعد الآخرة، وحتى تشرق شمس الحرية والعدل والسلام على كل شبر من أرضنا الفلسطينية المحتلة.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والحرية لأسرانا البواسل، والذل والعار للاحتلال وأعوانه المتخاذلين.