أقلام الثبات
لم يأتِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بجديد عندما ألمح إلى مفاجأة كبرى تواكب جولته الخليجية، وترتبط بدولةٍ ما، وهو الذي ما ترك بازاراً سياسياً ولا مزاداً علنياً، إلا وحاول بجبروت بلاده وبِيَده الطويلة، أن يقرر مصير الشعبٍ الفلسطيني المقاوم، تارة بالتهجير الطوعي إلى أرضٍ بديلة عن قطاع غزة، وطوراً بمحاولات تطويع إرادة مَن يسكنون خيمة، ولا يحتاج الأمر لمعالجة وضعهم الى ترسانات أسلحة الدولة "الأعظم" في العالم، ماداموا يحملون الوطن الفلسطيني الذي به يحلمون على أكتاف الارتحال رفضاً للرحيل.
وإذ يرى البعض أن الخلاف في مقاربة الشأن الفلسطيني بين ترامب ونتانياهو انعكس جفاءً بين الطرفين، فلأن مسألة "اليوم التالي" في قطاع غزة هي بيت القصيد، حيث لا ترامب ولا نتانياهو، ولا كل الغرب والشرق، استطاعوا إخراج سيناريو "اليوم التالي" وكيفية معالجة وجود خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية ونحو المليونين في قطاع غزة، دون الإقرار بقيام دولة لهم.
أولاً: هناك جبهة اعتراض رسمية وشعبية مشتركة، تمتد من تل أبيب إلى واشنطن، كانت هادئة قبيل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وإعلانه وقف الحروب وإطفاء القائم منها في العالم، لكن استمرار اشتعال الحرب على الجبهة الأوكرانية الروسية، واستمرار العدوان على غزة ولبنان وسوريا واليمن، أعاد النشاط لهذه الجبهة تحت عنوان: رفض الحروب العبثية المُكلِفة وشراء العداوات المجانية، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها القوات الأميركية من الحوثيين وألزمت واشنطن بالاتفاق الأحادي مع أنصار الله في اليمن لوقف إطلاق النار.
ثانياً: هناك حلقة مفرغة يدور فيها نتانياهو ومعه مَن معه في "إسرائيل" على المستويات السياسية والعسكرية والشعبية، في بحثهم عن "اليوم التالي" للخلاص من مستنقع قطاع غزة، ومن مصيدة الضفة الغربية من جهة، وفي تبرير استمرار حرب لا جدوى منها سوى تمديد نتنياهو لنفسه على كرسي الحكم للنجاة من الملاحقات القضائية من جهة أخرى.
وليس البحث في وجوب قيام دولة فلسطينية الآن ضمن حل الدولتين نابعاً من فراغ، بل هو تقاطع بين الدول العربية الخليجية، التي تشترط إعلان هذه الدولة قبل أية خطوة نحو التطبيع مع "إسرائيل"، وبين فشل ترامب في تقويض التوافق العربي الذي انتجته قِمَّة بيروت حول وجوب قيام هذه الدولة، عبر كل محاولاته التهجيرية لمحو فلسطين عن خارطة العالم، والضغط المادي والمعنوي والسياسي على كل من الأردن ومصر لاستقبال أبناء القطاع كلاجئين.
هنا، نختلف في الجوهر مع كل مَن يعتبر أن ما تفرضه أميركا على دول العالم الثالث - ونحن منها - هو مُنزَل ولا جدال فيه، والواقع أن "الفريق الأميركي" يغفِل خيبات أميركا في فيتنام والعراق وأفغانستان، وتُضاف إليها حالياً خيبة غزة، حتى ولو تم استبعاد حركة حماس عن المشاركة في إدارة القطاع لصالح منظمة التحرير الفلسطينية.
في الخلاصة، أمضى الرئيس ترامب أياماً في التغريدات والتصريحات أنه بصدد الإعلان عن قرارٍ هام، قد يُعلنه قبل بدء جولته على الدول الخليجية الثلاث، المملكة السعودية وقطر والإمارات، أو يترك الإعلان عند وصوله إلى المملكة أمام بعض القادة الخليجيين، أو لو سلمنا جدلاً أخذ بعض الوقت لتشريب نتانياهو ما هو "علقم" قيام الدولة الفلسطينية، فإن هذه الدولة قائمة قائمة بصرف النظر عن ظروفها ككيان سياسي مجاور للعدو الصهيوني، ولكن، حسب المقاومة الفلسطينية أن حققت بتضحيات شعبها المتشبث بأرضه، الانتقال به من الخيمة إلى الدولة.