خاص الثبات
مرة جديدة، يعود رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون إلى المنبر السياسي ـ الإعلامي ليردد لازمة "العودة إلى العرب"، وكأن لبنان غادرهم بإرادته أو قطع حبل الصرّة مع العروبة. ليقول: "نحن عدنا إلى العرب ونريد منهم العودة إلى لبنان"، وكأن الكرامة الوطنية تُوزن بمدى قبول الدول الخليجية، أو كأن العلاقة مع "العرب" لا تعني إلا منظومة واحدة تتعامل مع لبنان بفوقية ووصاية مالية مشروطة.
ما يثير الاستغراب في هذا الخطاب المتكرر هو ربط لبنان بما يُسمى "القرار العربي" خصوصاً فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية. من الذي فوّض الرئيس جوزيف عون أو غيره بأن يقرر أن "ما يقرره العرب نسير فيه"؟ هل هذا يشمل التطبيع الذي مضت فيه دول عربية؟ هل لبنان ملزم بالسير على هذا الطريق؟
لبنان الذي قدّم خيرة أبنائه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، واحتضن اللاجئين، وكتب في كل مرحلة من تاريخه موقفاً ضد الكيان الصهيوني، لا يُمكن أن يُختزل بصيغة "ما يقرره العرب نسير فيه". هذا خضوع لا يليق بوطن المقاومة. وهذا ربط لمصير شعب بدوائر القرار الخليجي التي لا ترى في لبنان سوى ملعباً لمصالحها ومكاناً لتصفية حساباتها.
ثم يأتي الحديث المبطّن أو المباشر عن "سلاح المقاومة"، في تكرار رتيب للعبارات التي تُطرَح من قبل أطراف خارجية تريد تحييد لبنان عن الصراع مع العدو الإسرائيلي. في زمن تتساقط فيه أوراق التوت عن أنظمة هرولت إلى التطبيع، يبقى السلاح الذي حرّر الأرض، وصنع توازن ردع، هو ما يضمن بقاء هذا البلد. والمقاومة ليست ترفاً سياسياً بل ضرورة سيادية.
لبنان لن يطبع. ورايته ستبقى مرفوعة بخطّ المقاومة، لا خفاقة في بلاط أولياء الأمر الخليجي. العودة إلى الحضن العربي لا يجب أن تكون مشروطة بخسارة الكرامة والسيادة والتخلّي عن المبادئ. لبنان لا يُلحق، ولا يُدار بالريموت، ولا يُختزل بخطاب يحاول تسويق تطبيع سياسي ناعم تحت غطاء "القرار العربي".
القرار في لبنان يجب أن يبقى لبنانيًا. والموقف من فلسطين يجب أن يبقى على صورة الشعب اللبناني وتاريخه، لا على صورة الصفقات العابرة والطاولات المضمرة.