أحمد الشرع يخسر الداخل.. ولا يكسب الخارج _ أمين أبوراشد

الجمعة 02 أيار , 2025 11:10 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كان الأجدى بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، تثبيت قدميه في قصر الشعب عبر إجراءات واقعية تحاكي الجغرافيا السياسية السورية، لكنه سقط في الامتحان الأول عندما دعا لمؤتمر وطني لبضع ساعات من إعداد فريقٍ واحد، وشكل حكومة من فريقٍ واحد، وقام بإجراء آحادي الجانب بتسريح كافة ضباط وعناصر الجيش السوري، وسجَن أكثر من خمسة عشر ألف عنصر تقدموا لإجراء التسوية، وبقي بلا جيش، معتمداً على تشكيلات من "الأمن العام" أتى بها من الفصائل المسلحة، لا الكردي يقبل بها ولا العلوي ولا الدرزي، ولا السني سيستمر صامتاً على الأشكال الغريبة من الأوزبك والإيغور والشيشان تعبث بالبشر والحجر في شوارع دمشق.

ربما كان الشرع قد حسِب حساب الأكراد دون سواهم، كون مطلبهم بحكم ذاتي في شمال شرق سوريا عمره عقود، وقد يكون أيضاً قد أخذ بعين الاعتبار، أن السويداء في الجنوب السوري تؤيد تجنيد عناصر منها في الأجهزة الأمنية ليخدموا فيها منذ عهد الرئيس السابق بشار الأسد، فأحجم الأكراد عن تسليم أسلحتهم وكذلك فعلت الفصائل الدرزية، نتيجة الخطاب السلطوي الميليشيوي لهيئة تحرير الشام، لكن المؤسف أن بداية القمع الوحشي للسوريين انطلقت نحو الساحل العلوي الذي سلَّم أسلحته إلى الدولة وطلب الحماية من الحكومة، ودفع الأثمان الباهظة من الأرواح والأرزاق والممتلكات، وأعطى درساً لمن ما زالت أسلحتهم بأيديهم بعدم التخلي عنها قبل بناء دولة يُنتجها حوار حقيقي.

وأخطأ أحمد الشرع عندما اعتقد أن ربطة عنق وزير خارجيته أسعد الشيباني في الخارج، قد تُخفي عمامة التكفير لأحفاد بني أميَّة، الذين يذبحون باسم الدين، ويسرقون باسم الدين وينتهكون الأعراض ويُتاجرون بالنخاسة باسم الدين، ما جعل أبناء الطائفة السنية في سوريا يقرؤون كما سواهم من الطوائف الأخرى، أن لا قيام لدولة لها موقعها الدولي وهي لا تستطيع أو لا تريد حماية شرائح مجتمعها المدني.

وعندما اعترض أحمد الشرع على مخرجات حوار ما سُمِّي "كونفرانس الشعب الكردي"، واتهم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" أنها تنصلت من الاتفاق الذي أبرمه الشرع مع مظلوم عبدي، فهو أهمل مجلس سوريا الديمقراطي "مسد" الذي يُعتبر السلطة السياسية على "قسد"، وأهمل أيضاً المكونات الكردية الأخرى التي بلغ تعداد شخصياتها نحو 400 في ذلك "الكونفرانس"، والتي أجمعت على وحدة الأراضي السورية ضمن دولة فدرالية، وهو ما لا يجب أن يفاجئ الشرع، خصوصاً بعد ما ارتكبته الفصائل التكفيرية التابعة له في الساحل السوري بالعلويين، سيما وأن مناطق الأكراد هي دولة جاهزة قوية منظمة، ولديها كل مقومات الاقتصاد المستقل والثروات النفطية والزراعية، والشرع يجب أن يعتبرها نواة الدولة الفدرالية السورية لو كان يقرأ واقع الجغرافيا السورية.

وبعدما خسر الشرع فرصة المواجهة السياسية مع الأكراد، حاول تحريك قواته نحو "قسد" لكنه استدرك حجم هزيمة فصائله أمامها، وارتدّ إلى الجنوب لتطويع جرمانا وصحنايا، على وقع أكذوبة تسجيل صوتي يشتم فيه أحدهم النبي محمد عليه السلام، فانكشفت هشاشة "دولة الشرع" في أروقة الجامعات، وسمع العالم كلاماً تكفيرياً على ألسُن طلاب جامعيين بحق زملاء لهم، وجرى تهريب طلاب الأقليات إلى مساكن أكثر أمناً كي لا يتعرضوا لما تعرضت له جرمانا وصحنايا لاحقاً من اعتداءات دولة على مواطنيها عبر مخلوقات من مرتزقة العالم الثالث.

وبقدر ما باتت مواقع التواصل "وكالات أنباء" سريعة وموثوقة بالصوت والكلمة والصورة، تنقل المشهدية الداعشية بحق السوريين الى العالم، بقدر ما أن أحمد الشرع عاجز عن كتابة سيناريو إنهاء الفوضى، وتنفيذ الإخراج لمسرحية تدمير دولة لبناء دولة وتقديمها للعالم بلا "رتوش"، لأن المجالس والمؤسسات الأهلية للعلويين وسائر الأقليات في الخارج، توثِّق الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها هيئة تحرير الشام ومعها "الجيش الوطني" التركي، وتتولى شخصيات حقوقية دولية رفع الدعاوى والشكاوى ضد نظام الشرع في الخارج، ولا يبدو أنه سينجو من المحاسبة، على الأقل في تحركات من الشارع السني الصامت لغاية الآن لإسقاط نظامه. 

ومع استبعاد قدرة الشرع دستورياً على عقد اتفاقيات دولية، سواء دفاعية مع تركية أو تطبيع مع "إسرائيل"، فإن الوضع المعيشي الضاغط على الشعب السوري مع الفلتان الأمني، سيدفع بالشرائح السورية إلى اعتماد "الحكم الذاتي" التلقائي، ليس فقط في "الشمال الشرقي الكردي" ولا "الجنوب الدرزي"، بل في كبرى المدن السورية من حلب وحماه، إلى حمص ودمشق، ويبقى الشرع في قصر الشعب ولو إلى حين، بصفة "وكيل تفليسة" للدولة السورية، ما لم يبادر إلى إقالة حكومته الحالية، وتشكيل حكومة جديدة بعد مشاورات ملزمة مع الفرقاء السياسيين، وإزاحة الأجانب من المشهد العام والمباشرة الفورية ببناء جيش نواته أولئك الذين أجروا التسوية ورمى بهم في السجون.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل