خاص الثبات
في زمن الانحطاط الأخلاقي والسياسي، يخرج إلينا الجولاني مجددًا، لا ليواجه عدواً حقيقياً، بل ليستكمل ما بدأه من مشروع طائفي دموي بغطاء ديني مدّعى، ينفّذ من خلاله أبشع الجرائم ضد أبناء الوطن السوري، تحت راياتٍ كاذبة وشعارات مزيفة لا تمت إلى الإسلام بصلة.
من اتهام العلويين زوراً بالإساءة للصحابة، إلى إلصاق تُهم باطلة بالدروز تتعلق بالإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يتحرك الجولاني بخبث لا مثيل له، مدفوعاً بعقيدة تكفيرية صُنعت في دهاليز أجهزة الاستخبارات وليس في ساحات العلم والتقوى.
الرجل الذي يدّعي حماية "الإسلام المحمدي الأصيل"، هو نفسه من شوّه صورة هذا الإسلام، بقطع الرؤوس، وفرض الولاءات بالسيف، وتشريد الآمنين، وتحويل الدين العظيم إلى مظلة يُغطّي بها مشروع إبادة منهجي. سقط قناعه منذ زمن، وها هو اليوم يحاول اللعب على ورقة الطائفة الدرزية، بعد أن دمّر مناطق العلويين، وسفك دماءهم باسم الصحابة، ليكمل سيناريوه الدم باسم النبي.
أي وقاحة دينية هذه؟ وأي افتراء على الإسلام الحنيف الذي قال نبيّه "من آذى ذمياً فقد آذاني"؟ أي تديّن مزعوم يستبيح دماء من عاشوا على أرض الشام قروناً بسلام؟ الإسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله، ليس إسلام الجولاني، ولا يشبهه في شيء، لا من قريب ولا من بعيد.
بل الإسلام الذي نعرفه، دين الرحمة والعدل، لا يُجيز القتل على الشبهة، ولا يسمح بتكفير الناس بالجملة، ولا يبيح اغتيال الطوائف بحجج مفتعلة.
وهنا، لا بد من التوقف بصوت عالٍ، وبحسرة أكبر، أمام صمت مراجع أهل السنة. أين أنتم؟ أين صوتكم؟ أين الفتوى الحاسمة التي تبرئ الإسلام من هذه العصابة؟ لماذا هذا التواطؤ بالصمت؟ أليس واجبكم الديني والشرعي أن تُدينوا هؤلاء المنحرفين الذين يضربون باسمكم ويخطفون راية الإسلام لتغطية أفعالهم الشيطانية؟
إن الموقف الشرعي لا يُقاس بالحسابات السياسية أو التوازنات الإقليمية، بل يُقاس بالحق والعدل. وإذا سُمح لمجرم مثل الجولاني أن يتحدث باسم أهل السنة، فذلك جريمة إضافية تُلحق بسمعة المذهب، وتُعرّض ملايين المسلمين للاشتباه والاتهام.
لذلك، فإن المسؤولية التاريخية الآن ليست على الطوائف المستهدفة فقط، بل على علماء السنّة الذين بات صمتهم يُقرأ كتبرير، ويُفهم كقبول، وربما يُوظف كغطاء لهذه الجرائم البشعة.
ختاماً، الجولاني لا يمثل الإسلام، بل يمثل مشروعًا وحشيًا مغلفًا بالدين. ومَن يصمت على جرائمه، يشاركه الإثم. فهل نسمع صوت الحق أخيراً قبل أن تُزهق أرواح بريئة جديدة باسم "الإسلام الذي منه الجولاني براء"؟