أقلام الثبات
أنهت أميركا، بنجاح، المرحلة الأولى من الحرب على سوريا، وأسقطت النظام، وفكّكت الدولة السورية، وحلّت جيشها ودمّرت ترسانتها العسكرية، وقطعت طرق الإمداد للمقاومة في لبنان وفلسطين، وكذلك مقر اللجوء والإعداد للقيادات الفلسطينية من حركتي حماس والجهاد مع تضييق أكبر على حركة الجهاد واعتقال مسؤوليها المقيمين في سوريا.
بدأت أميركا تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع "الفوضى البناءة" للمصالح الأمريكية "الإسرائيلية" والفوضى الهدّامة للشعب السوري، بكل طوائفه، وفق خطه ذكية وخادعة، بابتلاع الطوائف طائفة بعد الأخرى، فبعد التهديد التكفيري "للدروز" في السويداء والجنوب السوري، وبالتعاون مع بعض النفوس الدرزية الضعيفة، والطامحة لتحقيق ألقاب ومصالح شخصية، "لجأ" الدروز للوصاية والحماية "الإسرائيليتين" مع بعض المعارضة الدرزية الخجولة والضعيفة، ثم أطلقت أميركا وتركيا مرتزقتهما "التكفيريين" باتجاه الساحل العلوي والمسيحي، وسمحت لهم بارتكاب المجازر والخطف والتهجير والذي سيستمر لدفع العلويين لطلب الحماية الدولية او التهجير، للسيطرة على الساحل السوري وثرواته من النفط والغاز ،مع إبقاء مناطق الأكراد "مهمازاً" في خاصرة الطرف التركي يتم وكزه عندما يقصّر ،بتنفيذ المشاريع الأميركية والإسرائيلية من خلال الجماعات التكفيرية التي أوكلته أميركا قيادتها ،لتخريب العالم الإسلامي.
لم تعرف سوريا الاستقرار في الحكم ،بل كانت ساحة انقلابات عسكرية لا يدوم حكمها ،إلا بضعة أشهر أو سنة أو سنتين منذ استقلالها حتى الانقلاب الذي نفذه الرئيس حافظ الاسد، والذي استمر بحكم سوريا 54 عاماً وتم إسقاطه في العام 2024 بعد حرب عالمية على النظام استمرت 13 عاماً ويبدو ان سوريا ستعود الى منظومة الانقلابات والفوضى في الحكم، بالإضافة الى تصحّر جغرافتيها السياسية، فالجنوب السوري صار إسرائيلياً والشمال السوري صار "تركياً وكردياً والغرب السوري في الساحل سيكون محمية دولية برعاية أميركية.
تحتفظ أميركا، بتنظيم "داعش"، كورقة احتياط للطوارئ في سوريا والعراق ،حيث تمت حماية التنظيم ومنع القضاء عليه، لاستخدامه في الوقت المناسب، ففي العراق يبقى تنظيم "داعش" تهديداً دائماً تستخدمه أميركا لتبرير بقاء وجودها العسكري من جهة، وللابتزاز العراق من جهة ثانية وللدعم المعنوي، للجهات السياسية السنيّة العراقية، لمواجهة الأطراف السياسية الشيعية.
أيقظت اميركا وفكّت قيود تنظيم "داعش" بعد خمسة أشهر من إسقاط النظام في سوريا، ببيان تهديد ضد أبو محمد الجولاني ووصفه بالخائن لداعش وناكر الجميل والموالي "للصليبيين" واتهامه بالردّة حدود تكفيره، تمهيداً لإعلان الحرب عليه والبدء بتناحر الفصائل التكفيرية فيما بينها ، الذي يمكن ان يشكّل عبئاً على المشروع الأمريكي وللتخلص من الأعداد الكبيرة من التكفيريين عبر قتلهم لبعضهم ونقل ما تبقى منهم الى ساحة اليمن التي أيقن الامريكيون عجزهم عن هزيمته، بالقصف الجوي ولابد من إعادة إشعال الحرب الأهلية فيه.
لكن السؤال: ما هو هدف امريكا الحقيقي من إيقاظ "داعش"؟
- هل إسقاط الجولاني (مثلما فعلت مع بن لادن وأبو بكر البغدادي..) بعد إنجاز مهمته بإسقاط النظام وتفكيك سوريا وتعميم الفوضى ،لتحقيق التقسيم بعناوينه الفيدرالية او الكونفدرالية وتوزيعه على تركيا و"إسرائيل" ودول الخليج المشاركة بالحرب؟
- هل تحييد نظام "الجولاني" وابقائه ، لتشريع النهب الدولي لسوريا وبيع ثرواتها واراضيها عبر اتفاقيات دولية تحكم سوريا لعقود ؟
- إفساح المجال "لداعش" التي تكمن في حمص والبادية السورية للانقضاض على الساحل العلوي والبقاع الشيعي دون تحميل السلطات السورية الرسمية أي مسؤولية وذلك لاستنزاف المقاومة والضغط عليها بالتعاون مع الجيش الاسرائيلي في الجنوب والجو؟
تستكمل أميركا، حربها التي ربحت فيها عدة جولات حتى الآن في الميدان العسكري والسياسي لتأسيس "الشرق الأوسط الكبير"، بأذرعها العسكرية "الإسرائيلية" والتكفيرية وأذرعها المالية والسياسية والدينية عبر دول الخليج وبعض التنظيمات الإسلامية، مما يسمى الاسلام السياسي السني المنظّم والتاريخي.
تستوجب الحرب الأميركية - "الإسرائيلية" الشاملة ، قيام جبهة مقاومة شاملة على مستوى المنطقة وتستدعي التنسيق والعمل المشترك بين كل المتضرّرين والمُستَهدفين ،ومبادرتهم لتوحيد صفوفهم في الساحات التي يتواجدون فيها حتى لا يتم القضاء عليهم واحداً بعد الآخر.
على المقاومين للمشروع الأميركي في لبنان خصوصاً، المبادرة وعدم التأخر وتوحيد قواهم، للمواجهة العقلانية والموضوعية والشجاعة غير الانهزامية وعدم الوقوع في فخ المذهبية او الطائفية، ووجوب ان ينتبه النازحون السوريون واللاجئون الفلسطينيون من مخاطر استخدامهم لإطفاء نار المقاومة اللبنانية، لأنهم سيكونون كالعصا التي نستخدمها لدفع الحطب الى النار ثم نرميها في لهب النار بعد انتهاء وظيفتها.
من يقاتل المقاومة في لبنان أو يغدر بها ،سيكون المقتول بعد مشاركته في قتلها ولن يعطه الأميركي ولا "الإسرائيلي" مكافأة قتل أخوته ورفاقه ومواطنيه..
لماذا ايقظت أميركا تنظيمَ "داعش" ضد "الجولاني؟ ــ د. نسيب حطيط
الأربعاء 23 نيسان , 2025 12:22 توقيت بيروت
أقلام الثبات

