خاص الثبات
رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، لا تزال الاعتداءات "الإسرائيلية" على الأراضي اللبنانية مستمرة بوتيرة تصاعدية. من الطائرات المسيّرة التي تخترق الأجواء يومياً، إلى الغارات الجوية التي تطال منازل المدنيين وتدمّر البنى التحتية، وصولاً إلى استهداف مباشر للضاحية الجنوبية ومناطق الجنوب اللبناني، تتكرّس معادلة عدوان مستمر لا يعترف بهدوء أو تهدئة.
في هذا السياق، يصبح السؤال مشروعاً ومُلِحّاً: ما الذي يمكن للبنان الرسمي فعله في ظل غياب قرار الرد العسكري؟ وما هي الأوراق السياسية والديبلوماسية التي يمكن تفعيلها لمواجهة التصعيد؟
التحرك السياسي: ضرورة وليس خياراً
تؤكد مصادر ديبلوماسية أن الدولة اللبنانية أمام لحظة حاسمة تتطلب تحركاً جدياً على الساحة الدولية، لا يقتصر على بيانات الشجب والتنديد. وتشدّد على ضرورة إطلاق حملة ديبلوماسية واسعة النطاق تبدأ بخطوة أساسية: استدعاء سفراء الدول الكبرى والفاعلة لإطلاعهم على طبيعة العدوان المتكرر، وتقديم احتجاج رسمي على الانتهاكات التي تطال السيادة اللبنانية.
وتضيف المصادر أن من واجب الدولة اللبنانية أيضاً رفع شكوى عاجلة إلى الأمم المتحدة، والمطالبة بانعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، بهدف وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته وفضح الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة.
وفي هذا الإطار، يُشدَّد على ضرورة استثمار كل منابر المجتمع الدولي، من مؤتمرات إلى منتديات إقليمية ودولية، لتسليط الضوء على ازدواجية المعايير في التعاطي مع قضايا الشعوب، لاسيما عندما يتعلّق الأمر بسيادة لبنان وسلامة مواطنيه.
البيت الداخلي أولاً: لا صوت خارج الإجماع
لكن، وعلى أهمية الحراك الخارجي، يرى المراقبون أن أي مجهود ديبلوماسي لن يكون فعّالاً ما لم يُبْنَ على موقف داخلي موحّد. فالحالة الانقسامية التي يعيشها لبنان، والتي تنعكس في مواقف بعض الجهات التي "تغازل" الولايات المتحدة أو تتبنّى خطاباً مناقضاً للتوجهات الوطنية، تقوّض أي مسعى جدي للدفاع عن الحقوق اللبنانية.
من هنا، تدعو الأصوات الوطنية إلى توحيد الصفوف داخلياً، خلف مشروع حماية السيادة والكرامة، بعيداً عن التجاذبات السياسية والحسابات الضيقة. فالقضايا المصيرية لا تحتمل ترف الخلاف، بل تتطلب صوتاً واحداً صلباً في وجه أي انتهاك.
العدوان المتواصل: من الخرق إلى الاعتداء المنهجي
ما يشهده لبنان اليوم، بحسب توصيف المصادر، لم يعد يمكن التعامل معه كـ"خروقات"، بل أصبح عدواناً ممنهجاً ومتعمداً، يضرب بعرض الحائط كل القرارات الدولية والاتفاقات المعنية بوقف إطلاق النار. وهذا الواقع يستدعي مقاربة شاملة من الدولة بكل مؤسساتها، تعتمد على القوة السياسية والديبلوماسية، لا التراخي والجمود.
ديبلوماسية بمستوى التحدي
في زمن الصمت الدولي والتواطؤ المكشوف، يُصبح على لبنان أن يتسلّح بـديبلوماسية شجاعة وموقف سياسي جريء يعيدان الاعتبار لصوت الدولة ومكانتها. فالمقاومة على الأرض تقوم بدورها في الميدان، لكن للمقاومة السياسية والديبلوماسية دورٌ لا يقل أهمية في حماية لبنان من الغطرسة "الإسرائيلية".
وعليه، فإن التحديات الراهنة تتطلب أكثر من إدارة أزمة مؤقتة. إنها تستدعي رؤية وطنية موحدة، واستراتيجية ديبلوماسية نشطة، قادرة على أن تقول للعالم: لبنان ليس ساحة مستباحة، والسيادة ليست وجهة نظر.