تركيا تُحطّم معادلات توازن القوى المذهبية والقومية ــ د. نسيب حطيط

الخميس 10 نيسان , 2025 10:25 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
أنجزت تركيا أكثر مراحل المشروع الأميركي لتقسيم المنطقة والسيطرة عليها، وهزيمة القومية العربية، وإلحاق ضربات قاسية بالإسلام التحرري، عبر سيطرتها على سوريا وإدارة "الربيع العربي"، وكان انتصارها الكبير (مؤقتاً) بإسقاط النظام في سوريا، وبدل ان يعود "لواء الإسكندرون" الى الدولة السورية تم إلحاق سوريا بلواء الإسكندرون!
التوسّع التركي السياسي والجغرافي والديني ألحق خسائر بالعديد من الأطراف، وفي مقدمتهم السعودية وإيران، وبات يشكل خطراً وجودياً على العراق ولبنان والأردن ومصر وليبيا في مرحلته الاولى، وسيشكّل خطراً غير مباشر على اوروبا في حال قرّرت أميركا إقلاق أوروبا والضغط عليها من البوابة التركية و"المتطرفين الإسلاميين".
تحاول السعودية جاهدة ملء الفراغ الذي تركه سقوط نظام "الأسد" والإخلاء الإيراني الطارئ لسوريا ،لكن تصريح "ترامب" أثناء استقباله "نتنياهو" أجهض الأحلام السعودية؛ عندما أعلن مطالبته "أردوغان" بصفته مسؤولاً عن إسقاط النظام، بضرورة "تقاسم" سوريا بين تركيا و"إسرائيل"، دون أي ذكر للعرب حتى الذين يموّلون الجماعات التكفيرية ويتحالفون مع تركيا، وفي مقدمتهم قطر، التي ينحصر دورها كمصرف يؤمّن التمويل للعمليات التركية والتكفيرية.
أيام الخلافة العثمانية تم محو الهوية العربية، كقومية وأمة، وتم إعدام من يريد الاستقلال عنها او إبراز الهوية العربية، وبعد سقوط الخلافة في الحرب العالمية الأولى تعود تركيا بعد 100 عام لبسط سيطرتها كمقاول ووكيل لأميركا، خلافا ًلسيطرتها الأولى التي كانت لحسابها.
كسرت تركيا التوازن الاستراتيجي الذي كان يحكم المنطقة بين إيران والسعودية وتركيا و"اسرائيل" والقطبين العالميين أميركا وروسيا، وانتهت الجولة الأولى من المعارك، لصالح التحالف (الأميركي - "الإسرائيلي" - التركي) مع النصر الوهمي للسعودية وعرب الخليج، والسؤال الذي يطرق عقول السعودية ومصر ابتداءً، وإيران وروسيا لاحقاً: هل ستكمل تركيا هجومها على السعودية وتعيد تكرار ما فعلته بآل سعود عندما أعدمت عبد الله بن سعود  أمام البوابة الرئيسة لكنيسة آيا صوفيا، وصلبته على خازوق، وغطّته بقطعة قماش كُـتبَ عليها «تركيا فوق الجميع» وأخرجت قلبه من صدره؟
هل ستعيد تركيا تحريك "الإخوان المسلمين" في مصر لاستعادة النظام وتأمين حل لمشكلة غزة، وتثبيت قوتها في إفريقيا بعد سيطرتها على مصر وليبيا؟ هل ستنتقل تركيا، وبتكليف أميركي، لتحريك القوميات التركية داخل إيران وروسيا في جمهوريات آسيا الوسطى؟
قد لا يتأخر الجواب على هذه الأسئلة كثيراً، وسيكون بعد هضم "الطريدة السورية" وتثبيت ذراعي سوريا، ومواصلة اغتصابها حتى "التقسيم"، مع تحييد العراق، أو إشغاله داخليا، للانطلاق نحو إيران وروسيا ومصر والسعودية .
يمكن القول إن ما كان "أمة عربية" قد انتهى، وبقي منها بعض أشلاء متناثرة تقاتل بعضها، بما تبقى لها من حياة، لصالح الأمة التركية و"إسرائيل الكبرى" والفرعون الأميركي.
ماذا يبقى من العرب بعد إسقاط سوريا وإنهاء القضية الفلسطينية وتهجير غزة والفوضى في ليبيا، وتقسيم السودان واليمن، وتحويل الخليج من دولٍ الى "فروع مصرفية"، وإذا تم نزع سلاح المقاومة في لبنان "خميرة الفكر المقاوم" في الأمة؟
وماذا سيبقى من الإسلام بعد القضاء على مذاهبه لصالح الإسلام التكفيري، كخطوة أولى، قبل تثبيت "الديانة الإبراهيمية"؟
يظن بعض الحمقى من العرب واللبنانيين، وكذلك ما تبقى من المسيحيين والمذاهب السُّنية الأربعة، أن الخسارة أصابت محور المقاومة فقط، وانهم الناجون والرابحون والمنتصرون، لكن الحقيقة تقول إن الجميع قد انهزموا (مرحلياً)، وإن المنتصر الوحيد هو المشروع الأميركي وأدواته "الإسرائيلية" والتركية، ومن لم يصبه الرصاص الآن سيصيبه في الأيام المقبلة، لأن أميركا و"إسرائيل"، لا تقبلان الشراكة مع أحد، ومن يظنّون أنفسهم حلفاء هم أدوات تنفيذية ظرفية، تنتهي صلاحيتها بانتهاء المهمات الموكّلة إليها.
فلتبادر القوى الخاسرة والمهدّدة لتجميع قواها وإعادة التواصل والتنسيق، لحماية ما تبقى من "الأمة" والمصالح والتاريخ، وإلا فنحن امام استعمار سيمتد مئة عام مقبلك،  ولايزال الوقت متاحاً لتقليل الخسائر، وربما الانتصار.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل