خاص الثبات
تأتي العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكيان العدو الصهيوني كمثال بارز على تحالف استراتيجي مستمر منذ عقود، وتُعتبر السياسة الدولية ساحةً معقدة، حيث تتداخل المصالح والأهداف بين الدول.
على الرغم من بعض التقلبات في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، فإن الولايات المتحدة قد أكدت مرارًا أنها ستظل داعمة لإسرائيل. هذا الدعم ليس مجرد دعم أيديولوجي أو سياسي فحسب، بل هو جزء أساسي من الاستراتيجية الأميركية في المنطقة.
من خلال السنوات الطويلة من التوترات والصراعات، بما في ذلك أوقات الازدهار والركود في العلاقة الأميركية-الإسرائيلية، كانت أميركا تعمل على تأكيد هيمنتها في المنطقة عبر الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل. فواشنطن لا تبيع حليفًا إستراتيجيًا مهمًا مثل إسرائيل بسهولة، خاصة في ظل المخاوف من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة.
تُظهر هذه الحقيقة أن أميركا لا تُقدّم الدعم لإسرائيل من منطلق الإيمان بالقيم الديمقراطية أو حقوق الإنسان فقط، بل لأنها ترى في إسرائيل كحصن متقدم في مواجهة التهديدات المتزايدة من قوى معادية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها إيران.
في المقابل، تظل إيران، وفي قلبها طهران، أحد أبرز الخصوم للولايات المتحدة في المنطقة. وبينما تصدَّر الولايات المتحدة لنفسها دور "الشيطان الأكبر" في خطاباتها الموجهة نحو إيران، فإن هذه التصريحات ليست سوى تجسيد للأدوات السياسية التي تستخدمها واشنطن للضغط على طهران بهدف تقييد قدراتها، خصوصًا في مجالات مثل تطوير الصواريخ، النووي، وتأثيرها في شؤون الدول العربية.
لكن رغم كل الضغوط الأميركية، تظل طهران صامدة، حيث تمكنت من الحفاظ على استقلالها السياسي والعسكري والاقتصادي بدرجة كبيرة.
قد يراها البعض قوة متمردة على الهيمنة الغربية، ولكن يمكن القول أن ما تملكه إيران من مقومات قوة - سواء على مستوى النفوذ السياسي في المنطقة أو على مستوى قوتها العسكرية والاستخباراتية - يجعلها في وضع يمكنها من مواجهة تحديات "الشيطان الأكبر".
وتستفيد طهران من تحالفاتها الإقليمية والعالمية المتنوعة، سواء في العراق، أو سوريا، أو حتى مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين، لتتمكن من الصمود أمام التهديدات الأميركية.
لا شك أن النواة الفكرية التي أسسها الإمام الخميني قدس سره في الثورة الإسلامية قد لعبت دورًا محوريًا في صياغة السياسة الإيرانية الحالية. لقد قامت الثورة الإسلامية على أساس مقاومة الهيمنة الغربية، وفي قلب هذه الرؤية كان التحدي المباشر للنفوذ الأميركي في المنطقة.
الطهرانيون اليوم لا ينسون أن أميركا كانت من ألد أعداء ثورتهم منذ لحظاتها الأولى، مما يجعل العلاقة مع واشنطن محكومة بعوامل الكراهية والتنافس التاريخي، الذي لن يعبر على جسر سلطنة عمان واللقاء المرتقب.
الاقتدار الإيراني اليوم هو نتاج سياسة دؤوبة على مر العقود لتعزيز الذات، والاستفادة من المواقف المتغيرة على الساحة الدولية، وكذلك من خلال ربط الاستقلال الوطني بالاستراتيجيات السياسية والعسكرية. وهذا الاقتدار لا يتوقف عند حدود تعزيز القوة العسكرية أو السياسية فحسب، بل يشمل أيضًا تطوير القدرات الاقتصادية والبشرية التي تمكّنها من البقاء في طليعة المواجهات مع القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.