سقوط الشعارات ــ عدنان الساحلي

الجمعة 14 آذار , 2025 01:06 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
    تتساقط بسرعة قياسية الشعارات الرنانة، التي ضجت بها خطب المسؤولين اللبنانيين الجدد؛ وبعض السياسيين؛ الموجهة من الخارج وتحديداً من قبل الأميركيين و"الإسرائيليين" وبعض الخليجيين، لأن الحقائق تفرض نفسها من جهة؛ ولأن الكلام، كما يقال، ليس عليه جمرك. لكن الفعل مكلف في مواجهته للواقع.
    بداية سقوط الشعارات، بدأت بتراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن "هوبراته" التوسعية، التي أطلقها إثر فوزه في الإنتخابات الأميركية. وكان أبرزها تراجعه عن دعوته لتهجير سكان غزة من أرضهم. ثم تداركه للعلاقات مع الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، بعدما اهانه في محضره في البيت الأبيض. ثم ليأتي دلو المياه الباردة بابعاد ترامب نسيبه اللبناني بولس مسعد، عن دوره المنتظر ككبير مستشاريه للشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط. حيث ارسله ليكون موفده إلى مناطق   البحيرات الكبرى في افريقيا. في حين أن دوره الأساس كان، مثل بقية  أعضاء اللوبي اليميني اللبناني في اميركا، هو التحريض على المقاومة والترويج للمتصهينين في الداخل اللبناني.
    وهذه التطورات تبين أن مواقف ترامب غير مدروسة؛ وإن كانت تنسجم مع سياسة التسلط على الضعفاء في العالم. لكنها تشكل عبرة للبعض من اللبنانيين، الذين تعودوا الإستماع إلى ما يمليه عليهم الأميركي وأيضاً "الإسرائيلي"، باعتباره قدرا لا يمكن رده.
    وهؤلاء، المعروفون بأنهم أبواق الخارج، إصطدمت رؤوسهم بجدار الواقع الحقيقي، في كثير من المحطات. بدأت بصدمتهم بالصمود الأسطوري للمقاومين على خط الحدود الأول، طوال ستة وستين يوماً. ثم جاء مشهد التشييع التاريخي وغير المسبوق، للشهيدين الأمينين العامين لحزب الله، السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، بعدما توهموا أن جرائم العدو ووحشيته يمكن أن تفصل بين المقاومة وجمهورها. ثم جاء إستمرار العدوان "الإسرائيلي" وأعمال التدمير، التي نفذها العدو في القرى التي دخلها بعد وقف إطلاق النار، ليسقط منطق القائلين بأن المقاومة هي حروب الآخرين على أرضنا. ثم ليأتي تصريح رئيس وزراء العدو بأنه لن ينسحب من النقاط الحدودية الخمس، ليحرج المسؤولين اللبنانيين الجدد ويجعلهم يصرحون بأن لا نزع للسلاح بالقوة؛ وصولآً إلى النفي وربما الحلفان، بأن لا تطبيع مع العدو "الإسرائيلي"؛ وإن كان الأميركي يسعى لتوريط لبنان في مفاوضات مباشرة توصل للتطبيع.
    وما شهدته جلسة مجلس الوزراء أمس، جزء من مشهد سقوط الشعارات، فعندما انبرى وزراء حزبي "القوات" والكتائب، للمطالبة بأن تحدد الحكومة مدة زمنية لنزع سلاح المقاومة في جنوب الليطاني وشماله، جاء الرد من رئيس الجمهورية، الذي أكد " ان لبنان لا يزال محتلا وان العدو مستمر في خروقاته والحكومة ملتزمة بالبيان الوزاري وخطاب القسم، وهذا الأمر لا يثار بهذه الطريقة".
    وما يتجاهله صهاينة الداخل، أن العدو "الإسرائيلي" يحتل 13 نقطة منذ انسحابه من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة عام 2000. إضافة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وشمال بلدة الغجر. كما ان السلطات اللبنانية بدورها، تجاهلت منذ العام 1948 إحتلال العدو لثلاث عشرة قرية ومزرعة لبنانية (هونين وصلحا وغيرهما). ولا تطالب بها، رغم أن اهلها يحملون الجنسية اللبنانية. وبالتالي، فإن وجود مقاومة تعمل على تحرير هذه الأراضي، هو عمل مشروع، طالما أن لا حكومات لبنانية تعمل على استعادتها. كما أن أي قوة أو بلد يمد يد المساعدة للبنان لتحرير هذه الأراضي، يقوم بعمل مشكور ومطلوب، لصالح لبنان ولا يمكن اعتباره حروباً للآخرين على ارضنا، بل هو دعم وتصليب لموقف لبنان في وجه العدو، حتى لا يتنازل عن تلك الحقوق اللبنانية.
    أما ما قاله الأميركي من أن نزع السلاح يجب ان يسبق إستكمال الإنسحاب "الإسرائيلي" ويسبق الإعمار، فهو قول ستسقطه الأحداث. ولن يستطيع احد منع اللبنانيين من إعادة إعمار بيوتهم التي دمرها العدو، طال الوقت أم قصر. كما أن لبنان لن يكون في أي يوم "إسرائيلياً"، عبر التطبيع وغيره. ولن يكون كاسحة الغام تفتح الطريق أمام التطبيع، الذي تسعى إليه بعض الدول العربية. فلا فرق بين سقوط الشعارات أو ذبولها، عندما ينتهي مفعولها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل