الشَّرع.. يدٌ للكُرد ويدٌ على العلويين.. ومبتور اليدين أمام الصهاينة _ أمين أبوراشد

الخميس 13 آذار , 2025 02:57 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات 

"سياسة التمكين" التي اعتمدتها التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش والنصرة وسواها، تعتمد على التنكيل بالبشر والحجر والشجر، لترهيب المجموعات البشرية وتحقيق غاية التمكُّن منها حتى قبل الوصول إليها.
 المشهدية الفولكلورية التي جمعت الرئيس أحمد الشرع مع مظلوم عبدي قائد قوات سورية الديمقراطية (قسد)، لتوقيع اتفاقية دمج هذه القوات تحت راية وزارة الدفاع السورية، لم تأخذ ما تستحقه من التصفيق، ليس لأنها فيدرالية مقنَّعة، أو تقسيم بالتراضي، أو لا مركزية إدارية تؤمِّن للأكراد الحكم الذاتي الذي لطالما طالبوا به خلال حكم الأسد الأب والابن، وفرضوه أمراً واقعاً على الشرع، بل سبب عدم التصفيق هو في تزامُن مدّ اليد الى الأكراد مع ارتفاع اليد الأخرى على العلويين في الساحل بمجزرة طائفية غير مسبوقة، ولم تعُد هناك أيادٍ سورية للتصفيق أمام هول الفظائع التي ارتكبتها فصائل "العمشات" و"الحمزات" من "الجيش الوطني" الموالي لتركيا، وأوباش التكفير من "الإيغور" و"الأوزبك" و"الطاجيك"، وسائر الفصائل المتشددة التي لا تأتمر بعضها بتوجيهات الشرع و"هيئة تحرير الشام".

وتدخل مسألة تصوير المجازر والتنكيل بالضحايا ونشر الفيديوهات، ضمن ثقافة "سياسة التمكين" لدى هؤلاء المجرمين، لترويع مَن لم يصلوا إليهم بعد، لكن، بما أن هذه الفيديوهات باتت تنعكس سلباً على صورة حكومة أحمد الشرع في الغرب، استُعيض عنها بتسجيلات صوتية في الساحل تُطالب بالقتل ورمي الجثث في البحر "كي لا يُقال جاع السمك في زمن حكم بني أميَّة"، كما جاء في الكثير من الفيديوهات، وجاءت نتيجة هذه التسجيلات الصوتية أكثر سلبية على المرتكبين من الفيديوهات.

وإذا كانت مجازر الساحل ضد العلويين قد استفزت كافة شرائح وطوائف المجتمع السوري، فإن تداعياتها جاءت كارثية على مستوى الخارج الإقليمي والدولي، ولو أن القوى السياسية والهيئات الحزبية والأهلية في العراق، قد استاءت بحكم الجيرة مع سورية أكثر من سواها، وتنادت العشائر والأحزاب في العراق للتنديد شديد اللهجة بمجازر الساحل السوري، والضغط على رئيس الحكومة محمد شياع السوداني للتريث بعملية الانفتاح على نظام الشرع، والبعض طالب بالتدخل العسكري لوقف مسلسل الجرائم هذه. 
  
وفيما دمشق تعهدت بملاحقة المجرمين، أعلن العضو في "لجنة تقصي الحقائق" ياسر فرحان، في مؤتمر صحافي، أن هذه اللجنة ستبحث عن هوية الجناة، وتحقق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش، وستقوم خلال ثلاثين يوماً بتقديم تقريرها إلى الشرع. وأضاف فرحان، أن التحقيقات ستشمل النظر في التسجيلات المصوّرة، والاستماع إلى شهادة المتضررين وحمايتهم ضمن برنامج خاص أُطلق عليه "برنامج حماية الشهود".

غير أن تصريحات فرحان، والتي جاءت في سياق محاولة الإدارة الجديدة امتصاص ردة الفعل العالمية على الجرائم، لاقت أصداء متفاوتة في المجتمع السوري، في ظل عدم موثوقية هذه اللجنة التي تضم شخصيات متشددة، بعضها متورط في تصريحات طائفية واضحة، كـ"جمعة العنزي" الذي نشر مقالات وبحوثاً عديدة تكفّر الطوائف غير السنية، ووصف في أحد مقالاته العلويين، الذين من المفترض أنه جاء للتحقيق في مذبحة ارتُكِبت بحقهم، بأنهم كفرة روافض، وبأن مصيرهم الجحيم.

وورقة التفاهم التي جاهر بها الشرع مع الأكراد، جاءت أشبه باتفاق بين مقاول وصاحب ورشة، وليست ترقى إطلاقاً لمستوى رسم خريطة موحدة للوطن السوري، وهي نتاج مصلحة الطرفين الآنية، لأن الشرع يحتاج إظهار قدرته على توحيد سورية ولو على الورق، لينال نصيباً من الغاز والنفط في مناطق الأكراد، وهؤلاء وجدوا أنفسهم مرغمين على الوحدة الشكلية، لحماية "قسد" من الغضب التركي بعدما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده الحامية للأكراد.

والوضع في محافظات الجنوب السوري، القنيطرة ودرعا والسويداء، أكثر تعقيداً، لأن هناك ثأراً للدم مع "هيئة تحرير الشام"، وإن حصل تواصل على مستوى قوى درزية من "الصف الثاني" مع حكومة الشرع، فإن الشروط أقسى من التي يضعها الأكراد:  كافة قيادات وعناصر القوى الأمنية من أبناء هذه المحافظات، وإمكانية تعيين محافظ من خارج السويداء، لا تعني أنه يُمكن أن يكون من غير الدروز، وهذا أمر غير وارد نهائياً، لأن الدويلة الدرزية قد ارتسمت قبل سواها، بصرف النظر عن شكلها السياسي، بين فدرالية أو حكم ذاتي، فيما الشرع، غائب عن الواقع، ويده التي صافحت الأكراد وذبحت العلويين تبدو مبتورة أمام الصهاينة، والقرار في الدويلة الدرزية رهن قرار الشيخ أمين طريف داخل الكيان الصهيوني، والشيخ حكمت الهجري في الجنوب السوري الذي تجول فيه إسرائيل على هواها، وتبني فيه تحصينات ومواقع ثابتة لمواقع قد تكون دائمة، مقابل إغراءات شعبية بتشغيل مواطنيّ هذه المحافظات داخل فلسطين المحتلة، واليد العاملة المحتاجة في كل سورية لا تنتظر يد الشرع أن تمتد إليها لحمايتها  وتأمين العيش الكريم لها، لأنه يبدو أنه أول مَن يعتاش من "إسرائيل".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل