نهاية مرحلة الاحتواء تقترب.. والتغول له نهاية _ يونس عودة

السبت 08 آذار , 2025 10:57 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
حملت الايام القليلة الماضية مؤشرات مهمة على مستوى الصراع المحتدم بين القوى المسيطرة حديثا على السلطات والمحابية لسياسات الولايات المتحدة التدميرية, وبين القوى التي تضع الكرامة الوطنية والهوية الثقافية ومصلحة شعوبها في الاولويات.
على مستوى المنطقة يظهر ان التغير الانعطافي، الاشد قسوة, تمظهر في سوريا، بحيث ان سلالة الارهاب التي تهجنت على ايدي الخبراء الاميركيين بدءاً من تنظيم القاعدة وصولا الى داعش والنصرة، وبقية التسميات بحسب الجنسيات المستوردة جرى توليتها السلطة في سوريا بقيادة احمد الشرع (ابو محمد الجولاني) المترعرع في كنف "داعش"، ومن ثم "جبهة النصرة"، الى ما يسمى هيئة تحرير الشام.
لم يتغير الجولاني سوى بإلباسه ربطة عنق وملابس فاخرة، ووعود فارغة بوطن مساواة للجميع.
ما جرى ويجري في سوريا من مذابح تندى لها جبين الانسانية ,ولا يبدو ان حرب الابادة المتماثلة مع الحرب "الاسرائيلية" - الاميركية على الشعب الفلسطيني ,وليس اخرها ما حل   في الساحل السوري ,وبالأداة التركية - الاطلسية , من اعدامات مباشرة للمدنيين نساء وطلاب واطفال على انهم "فلول " النظام السابق وفق تعبير الجولاني , يتجاوز المذابح ايام حكم "دولة الخلافة" للسلطنة التركية، بحيث كان ما يعرف باسم «الجيش الرابع» العثماني، المكون من فيصلين رئيسيين، مرابضًا في دمشق تحت قيادة زكي باشا الحلبي، ولكونه عربيًا ومناهضًا للتحالف مع ألمانيا استدعي إلى الآستانة، وعيّن والي أضنة وكان جمال باشا الملقب «بالسفّاح» حاكمًا عسكريًا ومدنيًا على عموم بلاد الشام وبصلاحيات واسعة، وهو أحد أعضاء حزب الاتحاد والترقي. هذا القائد هو جمال باشا السفٌاح، وهو أحد الضباط الثلاثة الذين سيطروا على قيادة الدولة التركية في سنواتها الأخيرة، وهم جمال باشا وطلعت باشا وأنور باشا، وكانوا السبب الرئيسي في تداعي ونهاية السلطنة المُترامية الأطراف من أجل أن احكام قبضة السيطرة على مساحة تتناسب مع نظر يتهم القهرية ويُمارسون ديكتاتوريهم اللامحدودة.

لقد ألحق هؤلاء الثلاثة ضررهم البالغ الذي ألحقوه بالإسلام ودولة الإسلام وبالأتراك وبالعرب وبالشعوب العربية ، ويبدو ان الثلاثي التركي الحالي: الرئيس رجب طيب اردوغان ووزير خاجيته هاكان فيدان , وهو رئيس الاستخبارات السابق والمعروف بكاتم اسرار اردوغان , ورئيس المخابرات الحالي يكررون التجربة نفسها في سوريا , بحيث جيء بإرهابي معروف هو ابو محمد الجولاني مثلما جيء بزكي الحلبي لتنفيذ المهمة القذرة، بينما المهمة تتطلب شخصية محبوبة قادرة على الاحتواء، وتضييق الخلافات من اجل تحقيق الهدف,
لذلك فان شخصية الجولاني تشبه الى حد بعيد شخصية جمال باشا؛ بطبعه وتاريخه الدمويين، وطبيعته غير المتحولة باللباس الرسمي، وارسال مجموعات القتلة والارهابيين من منظمته الاجرامية , المسماة جيش ادارة العمليات , ومن الايغور والشيشان والتركستان لتنفيذ الجرائم المروعة، تماما كما فعلت داعش لترويع الناس واخضاع من تبقى للسيطرة والاذلال , سواء في الساحل او السويداء او الجنوب , وداخل دمشق وتصفية العلماء ورجال الدين من كل المذاهب , بما فيهم السنة عندما يجاهرون بالحق , يتكامل مع المشروع الاسرائيلي في تمزيق سوريا وتحويلها الى سناجق .
لم يتردد اي مسؤول صهيوني وفي المقدمة بنيامين نتنياهو , وقادته العسكريين في الاعلان ان على السلطة السورية التي يترأسها احمد الشرع , ان تبادر الى التطبيع , مع نسيان الجولان , وجبل الشيخ , والمنطقة المحتلة حديثا , ومع ابراز ان الدروز والاكراد , والان العلويين سيكونون تحت حمايتها , رغم ان الغالبية من هؤلاء يرفضون الارتماء في الحضن الاسرائيلي الخبيث , يواصل دمية تركيا عمليات الاجرام متماهيا مع الاجرام الاسرائيلي حتى وان قيل إن الأشرار يتفاضلون أو يتمايزون في الشر حتى يُصبح أحدُهم مُتفوٌقا على نظرائه
بعد ثلاثة اشهر من انهيار النظام في سوريا الذي ترأسه بشار الاسد , وبعد شهر من ترئيس احمد الشرع على سوريا ,تبيت حقيقة  الاهداف للذين كانوا يتجاهلونها عمدا وانصاعوا لبروباغندا الديمقراطية والحرية , فسوريا المطلوبة اليوم يجب ان تكون متصارعة وممزقة وضعيفة لا تقوم لها قائمة , مقابل توسع الاحتلال الاسرائيلي الذي لا حد له بدون مقاومة , وكذلك وضع تركيا والولايات المتحدة يدهما على الثروات في باطن الارض والبحر وما فوقهما , وقد بدأت الشركات النفطية تتقدم بالعروض .وبات من الواضح ان الشرع كدمية تركية سينتهي دوره قريبا مع سقوط وعوده في كل الحفر ,بسبب الحاجات الموضوعية للمشروع المعد للمنطقة .ولا سيما في ضوء فشل ايديولوجية الرئيس الاميركي دونالد ترامب الترويعية من كندا الى المكسيك الى بنما فاوكرانيا والى غزة ,وذلك في اقل شهرين لدخوله البيت الابيض .
السؤال , ماذا فعل اردوغان ودميته ,ابو محمد الجولاني بحق سوريا والاسلام والمسلمين , وايضا المسيحيين، مقارنة بما فعل جمال باشا السفاح ,ودميته زكي الحلبي بحق الاسلام والمسلمين والمسحيين اثناء الحكم العثماني , وما كانت النتائج ,كخلاصة للحرب العالمية الاولى ؟
الم يكن انهيار السلطنة , وسناجقها , واستجلاب الاستعمار الفرنسي والانكليزي الى المنطقة وقد حصل جلاؤهما , بفعل المقاومات الوطنية التي نشأت جراء الظلم , رغم ضلال البكوات والاقطاعيين وتضليلاتها للناس ,ومن كل الطوائف والذين تبوؤا المناصب ؟
لقد تم انتاج تقسيم المنطقة من سناحق الى مناطق نفوذ للاستعمارين الفرنسي والانكليزي وقد تصارعا على مديات النفوذ , الى ان كان "سايكس - بيكو" , ولاحقا تم انشاء الكيان الصهيوني تحت الجناح البريطاني , وبموافقة دولية كإحدى خلاصات الحرب العالمية الثانية . 
ان المنطقة ولبنان ضمنا امام متسع لمواجهات متعددة الاوجه , بموازاة التغول والاجرام الصهيوني غير المحدود , والمنفلت من الاتفاقات التي ترعاها حاليا الدولة الاكثر جموحا للاستعمار - الولايات المتحدة الاميركية, وكله تحت اعين السلطات المغمضة العيون، والتي صرفت ارصدتها ببضعة اسابيع ايضا في ازقة الوصاية الاميركية , لا بل الاحتلال الاميركي , عبر لجان شهود الزور مثل اللجنة الخماسية , والقوى " السيادية "- بكوات اليوم - والهرطقات الدبلوماسية الفارغة - مصحوبة الشروط القاتلة.
في الواقع تحول تكرار اعلان المسؤولين اللبنانيين والتأكيد على التزام تنفيذ القرار 1701 الى مسخرة دون التأكيد على حق الدفاع عن النفس كأحد البنود المسجلة ,في ظل استمرار العدوان الاسرائيلي غارات واغتيالات , كما والاعلان الاسرائيلي الالتزام المنافق بالتفاهم , وخضوع السلطة اللبنانية لإملاءات اميركا و"اسرائيل" بمنع اعادة الاعمار الا بشروطهما المذلة.
كما وان اعلان وزير خارجية لبنان يوسف رجي التماهي مع الخطاب الاسرائيلي بوقاحة غير مسبوقة وتبرير مواصلة العدوان تنبع من انتمائه السياسي لحزب طالما ربطته علاقة بالكيان "الاسرائيلي" , فضلا عن سيرته غير المشرفة دبلوماسيا سواء في ساحل العاج او في بلجيكا .مما لا يبشر باي انجاز يصب في مصلحة لبنان واجلاء الاحتلال.
استنادا الى كل ما تقدم ,لا يبدو ان الاستقرار في المنطقة قاب قوسين ابدا , لان مرحلة الاحتواء تستنفذ بسرعة , ولن يتمكن أحد مهما علا شأنه وكعبه , ان يقنع من تسري في عروقه دماء الانتماء للوطن ان يصبر أكثر , او يمكن يلجم او يخمد النار المشتعلة في النفوس في ضرورة المقاومة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل