الثبات ـ إسلاميات
شهر رمضان ليس مجرد أيام نصوم فيها عن الطعام والشراب، بل هو روحانية تتجلى في كل لحظة، ونفحات إيمانية تلامس القلوب وتُحيي الأرواح. ومن بين أجمل تلك اللحظات، تبقى صلاة التراويح شعيرة مميزة تفيض بالسكينة والطمأنينة، حيث يجتمع المسلمون في أجواء من النور والذكر والخشوع.
عندما يصدح صوت الإمام بآيات الذكر الحكيم، تمتزج رهبة الخشوع بجمال التلاوة، فتغمر القلوب سكينة لا تضاهيها سكينة. في تلك اللحظات، تشعر أن روحك تسمو، وأنك تقترب أكثر من رحمة الله وعفوه. فكيف لا والركعات تمتد، والدعوات تصعد إلى السماء، والقلوب تخشع بين يدي الرحمن؟
في كل بقعة من بقاع الأرض، ترى المساجد تتزين بالمصلين، يملؤون أروقتها بأصوات "آمين" التي تنطلق بعد كل آية، وكأنها نهرٌ من الرجاء يغمر المكان. في مكة، حول الكعبة المشرفة، تتعالى الأصوات بالدعاء، ويمتزج الطواف بالركوع والسجود في مشهد مهيب يأسر القلوب. وفي المدينة المنورة، حيث السلام يملأ الأرجاء، يتوافد الزائرون إلى المسجد النبوي ليعيشوا لحظات من السكينة بجوار روضة النبي الكريم ﷺ.
وهكذا الحال في المساجد حول العالم، من المسجد الأقصى في القدس، إلى مساجد بيروت، وحتى أصغر مسجد في قرية نائية، يبقى المشهد واحدًا: قلوب معلقة بالله، وسجود يعبر عن أصدق لحظات العبودية.
كم هو جميل أن يجتمع الناس على الطاعة، أن تتوحد الأرواح تحت راية الإيمان، وأن تُرفع الأكف بالدعاء في آنٍ واحد، رجاءً لمغفرةٍ ورحمةٍ لا حدود لهما! في صلاة التراويح، لا فرق بين غني وفقير، ولا بين صغير وكبير، فالكل يقف في صف واحد، متساوين أمام الله، تجمعهم الرغبة في نيل رضاه.
هي لحظات تُحفر في الذاكرة، تُحيي القلوب، وتُذكرنا بجمال الدين وروعة الجماعة. فطوبى لمن أدركها، وخشع فيها، واستشعر لذتها، فلعلها تكون سببًا في أن تُكتب لنا رحمة لا تزول وسعادة لا تنتهي.