أقلام الثبات
على مشارف الذكرى الثانية والأربعين لتوقيع اتفاق 17 أيار عام 1983 والذي أسقطته القوى المقاومة والوطنية ، يبدو ان قراراً أميركياً سَيفرض على لبنان توقيع اتفاقية سلام مع "اسرائيل" ،سواء بالعنوان المباشر او التفاهمات المتفرّقة، لأن أميركا تعتقد ان الظروف مؤاتية ومشجّعة لتوقيع هذه الاتفاقية ، لأنها أفضل من الظروف التي واكبت توقيع اتفاق 17 أيار الذي أيدته الحكومة وحملته الأطراف المسيحية مع معارضة شعبية شيعية ومعارضة القوى اليسارية الواضحة وعلى تأييد سني درزي صامت، أما اليوم فإن الوقائع والمؤشرات تُظهر انه لن يعارض هذا الاتفاق بالقول وبالفعل إلا "الشيعة" وبعض القوى والشخصيات الوطنية المحدودة التأثير والفعالية .
تحاول أميركا استغلال الفرصة الاستثنائية التي لن تتكرر، نتيجة حصار المقاومة والضربات التي تلقتها والتي لا تزال تتلقاها بعد انتهاء الهدنة والتي ستستمر، كما يصرّح العدو "الإسرائيلي"، وتأييد أميركي، مع التزام المقاومة بضبط النفس والصبر العاقل والمطلوب، خصوصاً في هذه الفترة رغم الخسائر التي تصيبها، ويبدو ان التحالف الأميركي - العربي (بعد انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة) قادرٌ على جمع الأصوات اللازمة في الحكومة ومجلس النواب لإقرار "اتفاقية السلام"، كما تم إقرار "اتفاق 17 أيار"، اضافة إلى اطمئنان أميركي - عربي على انحسار الرفض لهذه الاتفاقية وانحصاره في "الساحة الشيعية"، والتي لن تستطيع الرفض سوى بالمظاهرات والاعتصامات، او التصويت ضد الاتفاقية في الحكومة ومجلس النواب والذي لن يؤثر على اقرارها ، بسبب مواقف كل القوى السياسية المؤيدة للسلام مع اسرائيل او حياد لبنان عن الصراع العربي - "الإسرائيلي".
شكّلت قوى المقاومة في العقود السابقة ، السد المنيع والحاجز القوي لمنع السلام مع إسرائيل أو التطبيع معها ،لكنها الآن وبقرار ذاتي موضوعي وفي محله، لن تبادر الى العمل العسكري، كما كان سابقاً، لكن المجتمع المقاوم لن يستسلم ولن يقبل باتفاقية سلام خاصة وان أي اتفاقية سلام لن تحمي الجنوب ولن تحمي لبنان ،بالتلازم مع الموقف العقائدي للمسلمين الشيعة الذين لا يستطيعون الاعتراف بإسرائيل من منطلق عقائدي ديني حتى لو اعترف الفلسطينيون "بإسرائيل"، وقد اعترف نصفهم والنصف الآخر على طريق الاعتراف.
لابد من الاستعداد لمواجهة المرحلة السياسية والأمنية الجديدة في لبنان التي تقودها أميركا، بوعي وعقلانية ،دون انفعال للتمكن من إفشال مشروع الاستسلام الأميركي من خلال الانضباط والعقلانية والعمل على تأسيس جبهة وطنية تضم كل القوى والأحزاب والشخصيات الرافضة للسلام مع اسرائيل وضد الاستعباد الامريكي الجديد.
ان مسؤولية "المجتمع المقاوم" عدم إبقاء "الهوية الشيعية" للمقاومة، مما يقلّل من قوتها ويساعد الخصوم والأعداء على حصارها مذهبياً وطائفياً او حتى حزبياً ،مما يشكل ضعفاً للمشروع الوطني المقاوم.
فلتبادر قوى المقاومة، لعقد مؤتمر وطني طارئ، لمناقشة مخاطر المشروع الأميركي واتفاقية السلام، دون انتظار إقرارها، ومعارضتها بعد ولادتها ،فلنبادر للفعل المقاوم ولا نبقى في ردة الفعل المتأخرة، حيث لا ينفع الصراخ!
إن مشروع السلام الأميركي مع إسرائيل يتقدم وبشكل متسارع وعلينا واجب مواجهته بشكل أسرع وفعّال، خاصة بعد إسقاط سوريا بيد التحالف الثلاثي (الأميركي - "الإسرائيلي" - التركي) الذي سهّل عملية حصار المشروع الوطني المقاوم في لبنان والذي صار "غزة الثانية "جغرافياً!
لنبادر، لمقاومة، مشروع الاستسلام، ونستطيع الانتصار عليه وهزيمته، مهما طال الزمن، بشرط الوعي والعقلانية وحسن إدارة المعركة، بموضوعية وواقعية، دون مغالاة او مكابرة او الاستهزاء بقوة الاعداء والخصوم ودراسة الوسائل المتاحة غير الوسائل العسكرية التي سيأتي دورها في اللحظة المناسبة، بشرط عدم حصر المقاومة بالعمل العسكري وإهمال المقاومة المدنية والسياسية والثقافية.
هل تقوم السفارة الأميركية في "عوكر" برعاية المصالح الإسرائيلية في لبنان بعد توقيع الاستسلام، أم يتم بناء السفارة الإسرائيلية في عوكر!
لبنان لن يكون إسرائيلياً ولا أميركياً...والأشهر القادمة ستكون ساخنة في الداخل اللبناني بدعم (أميركي_ إسرائيلي _تكفيري) على المستوى الميداني والسياسي لأنصار "السلام" مع "إسرائيل" ضد قوى المقاومة الوطنية.
هل تنجح أميركا في فرض اتفاقية "السلام" بين لبنان و"إسرائيل"؟ ــ د. نسيب حطيط
الخميس 27 شباط , 2025 01:41 توقيت بيروت
أقلام الثبات

