أقلام الثبات
يجري الأميركيون والروس محادثات في المملكة العربية السعودية، حيث ذكرت وسائل اعلام أميركية أن اللقاءات سيحضرها المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط؛ ستيف ويتكوف، ومستشار الأمن القومي؛ مايك والتز، ووزير الخارجية الأميركي؛ ماركو روبيو، الذي يقوم حاليًا بزيارة إلى المنطقة.
وعلى الجانب الروسي، ستشمل اللقاءات شخصيات سياسية واستخباراتية واقتصادية رفيعة المستوى، بما في ذلك كيريل دميترييف؛ المسؤول الروسي الذي سيركز على استعادة العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي لعب دورًا رئيسيًا في صفقة إطلاق سراح السجناء الأميركيين في وقت سابق.
وكان مبعوث إدارة ترامب لروسيا وأوكرانيا؛ كيث كيلوغ، أكد استبعاد كل من الأوكران والأوروبيين في هذه المرحلة الابتدائية من التفاوض، ما أثار حنق كل من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي والقادة الأوروبيين الذين عبّروا عن غضبهم ورفضهم للتهميش.
الاستياء من تهميش ترامب دفع الأوروبيين الى عقد قمة طارئة في باريس، سينضم لها رئيس الوزراء البريطاني؛ كير ستارمر، وقد دعا الفرنسيون لاجتماع غير رسمي لمناقشة الأمن الأوروبي وقضية أوكرانيا، وسيضم الاجتماع بعض المسؤولين الأوروبيين، إضافة إلى رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته.
وفي هذا الإطار، تأتي مركزية اختيار السعودية كمكان لعقد الاجتماع، بالنظر إلى أهمية وتاريخية تلك المباحثات، ما يؤشر الى دور سعودي جديد على الساحة العالمية، وتزايد مكانتها كلاعب دولي في الدبلوماسية المتعددة الأطراف.
منذ عام 2021، قامت المملكة بتصفير مشكلاتها السابقة في الإقليم، ومع بدء الحرب الأوكرانية عام 2022 اختارت المملكة الحياد في حرب سعى خلال الغرب الى تقسيم العالم: من معنا ومن مع الروس.
وهكذا بدأت السعودية بتطبيق استراتيجية جديدة، تنظر الى دور المملكة كأكبر من قائد إقليمي، وتسعى لدور "الدولة المتوسطة" في نظام عالمي يتشكل بتوازنات جديدة، بدءاً بالحرب الأوكرانية التي كانت مؤشراً الى حتمية فرز استقطابات عالمية جديدة مختلفة عن الاستقطابات السابقة.
هذا الدور والطموح دفعا السعوديين الى الحياد في الحرب الأوكرانية، ورفض الانضمام الى العقوبات على روسيا، بالرغم من ضغوط إدارة بايدن. كذلك فشلت جهود بايدن لمنع روسيا من بيع الطاقة أو دفع السعودية الى زيادة الانتاج بهدف تخفيض أسعار الطاقة بعد الحرب، حيث ردّ السعوديون بأنهم ملتزمون بأوبك بلس.
وهكذا، استخدم السعوديون سياسة "الحياد الإيجابي" بين روسيا والولايات المتحدة، واستضافوا الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي، وعقدوا اجتماعات لحلّ الأزمة الأوكرانية.
وبما أن دور "القوة المتوسطة" يهدف الى البروز كمكان للتلاقي والحوار العالمي، كان لا بد من الابتعاد عن سياسة التمحور، وهو ما برز في التفاهمات الإيرانية - السعودية في الصين عام 2023، والتي سمحت للسعودية بدور فعّال في استقبال القمم الإسلامية خلال حرب غزة، بالإضافة الى تشكيل "تحالف دولي لحلّ الدولتين"، واشتراط قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو المسار الذي ستعتمده السعودية كجزء من قيادتها الإقليمية لملف فلسطين، بالإضافة الى ملفات سوريا ولبنان والتي دخلت اليها بقوة بعد انكفاء طويل الأمد.
السعودية... الصعود في نظام عالمي في طور التشكّل ــ د. ليلى نقولا
الإثنين 17 شباط , 2025 11:51 توقيت بيروت
أقلام الثبات

