أقلام الثبات
تعيش المنطقة وشعوبها وأحزابها وأنظمتها حالة من الانهزام و الاستسلام، وتنقسم بين أغلبية تصفّق فرحاً، لأن المشروع الأميركي - "الإسرائيلي" قد انتصر، وأنهم أصبحوا في منطقة الأمان والسيطرة، مقابل قلّة تعيش الحزن والحسرة وبعض الخيبة، بعدما تعرّضت لضربات قاسية، نتيجة عدم تكافؤ القوى من جهة وبسبب خلل في إدارة الحرب في بعض الجوانب من جهة أخرى.
المشكلة أن المؤيدين للمشروع الأميركي يتصرفون وكأن الحرب قد انتهت واستقرت الأوضاع لهم، ويتصرفون من موقع إعطاء الأوامر وتوزيع الأدوار وإلغاء الآخرين، في ظل نشوة الانتصار النهائي الموهوم والاعتقاد بأن لا قيامة لخصومهم بعد الآن، إلا من موقع الشفقة والاحتضان المشروط بعدم المعارضة، وإعلان الندم والتوبة وعدم حمل السلاح ثانية. وتتكامل هذه النشوة بالنصر مع غدر أغلب الانتهازيين والوصوليين وأصحاب المصلحة الذين احتضنهم المشروع المقاوم "خطأ" لأنهم يجيدون "المديح" والتزلّف ،فسارعوا للقفز من المركب والالتحاق بالمشروع الأميركي، لحفظ مصالحهم والنجاة من العقاب نتيجة تأييدهم المزّيف والتجاري للمشروع المقاوم، ما جعل أهل المقاومة قلّة مُحاصرة تنتظر الهجوم الأخير!
ويسأل أهل المقاومة: هل الحرب انتهت؟ هل انهزمنا وعلينا إعلان الاستسلام؟ هل يمكن النهوض ثانية، أم أن ذلك انتحار؟
يطرح أهل المقاومة هذه الأسئلة من موقع الثبات وعدم التسليم بالأمر الواقع او الاستسلام او الانهزام، بل من باب التفتيش عن الوسائل التي تحفظ المشروع المقاوم، لإعادة الانطلاق ثانية، لأنه لا يمكن بالمعطى العقائدي او الأخلاقي التنازل عن كل الإنجازات وضياع المستقبل، بالرغم من الأثمان التي تم دفعها او التي سيتم دفعها ثانية.
لا شك أن المشروع الأميركي حقّق نجاحات وانتصارات موضعية على المستوى العسكري والجغرافي والنفسي، تجاوزت كل النجاحات التي حقّقها منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 او عاصفة الخليج او غزو العراق 2003 او القوات المتعددة الجنسيات عام 82، ولا شك أيضاً أن المشروع المقاوم يعيش أخطر لحظاته، سواء على مستوى العدد أو التفكك، مع غياب عام للشعوب العربية، ما عدا إنجابها، لإمداد الجماعات التكفيرية بالأبناء لذبح (الأمة_الأم)!
لكن لم تنته الحرب بعد، ولم ينتصر التحالف الأميركي "الإسرائيلي" بالشكل المطلق، ولم يتم تثبيت الوقائع بعد، ولا يزال الأمر مبكراً لإعلان الانتصار الأميركي وهزيمة المشروع المقاوم، وهذا ما يعترف به الأميركيون، وإلا لأعلنوا وقف الحرب.
المقاومة في لبنان لم تنته بعد، وبالرغم من كل الضربات التي تلقتها فإنها لا زالت تمتلك عناصر القوة، واذا أحسنت إدارة الحرب القادمة، بعد مراجعة ثغراتها وأخطائها، وعملت بواقعية وعقلانية، بالتلازم مع تغيير وتعديل الوسائل والسلوكيات والمهام، وفي مقدمتها العودة الى العمل "التطوعي" وحرب العصابات المتطوّرة ومغادرة منهج تقليد الجيوش الكلاسيكية، فإنها قادرة على استعادة المبادرة، كما استعادتها المقاومة الشعبية المسلحة عام 1982، بعدما استطاعت توجيه ثلاثة ضربات استراتيجية كبرى؛ من تفجير مقر الحاكم العسكري في صور، الى تفجير المارينز ومقر المظليين الفرنسيين، والذي أصاب المشروع الأميركي - "الإسرائيلي" في الرأس، وأعطى جرعات معنوية للمشروع المقاوم، ويمكن تكرار التجربة ثانية، ولا تخافوا او تحزنوا إذا غامر الاحتلال وبقي في تلال جديدة في الاراضي اللبنانية، فرُبّ ضارّة نافعة.
أما في سوريا، فمن المبكر أيضاً التسليم بأن سوريا قد سقطت، خصوصاً إذا استمرت "جبهة النصرة" على نهجها وسلوكياتها بالقتل والخطف وطرد الموظفين، ومصادرة الأملاك وتأميم المؤسسات والفرز الطائفي، بالتلازم مع عدم وحدة الموقف داخل الفصائل المسلحة المتعدّدة الانتماءات والقيادات، ونتيجة تصادم المصالح بين الأتراك والعرب من جهة، وبين العرب القطريين والسعوديين من جهة أخرى، بالإضافة الى عدم استسلام إيران للأمر، وللتذكير ،فقد سيطرت "داعش" على العراق وأعلنت الخلافة فيها، وتمت هزيمتها وإسقاطها خلال عام، ويمكن أن يحدث الأمر نفسه في سوريا، وفي اسوأ الحالات تعدّد السلطات والإمارات والأقاليم .
لم تنته الحرب، ولم تنته المقاومة، وعلينا تأخير اصدار النتائج، والعمل على تغيير الواقع بعقلانية ودون انفعال، وستكون النتائج الأخيرة لهذه الحرب لصالح المقاومة وأهلها.
انتظروا... سنعود للنهوض ثانية، بإذن الله تعالى.
هل نستسلم… أم يمكن النهوض ثانيةً؟ ــ د. نسيب حطيط
الثلاثاء 04 شباط , 2025 11:40 توقيت بيروت
أقلام الثبات

