نتانياهو ذاهب إلى "الحجّ".. وغزة راجعة ــ أمين أبوراشد

الخميس 30 كانون الثاني , 2025 11:13 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في الرابع من شباط/ فبراير القادم، يلتقي بنيامين نتانياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، لكن هذا اللقاء فَقَد وهجه بعد أن أبدى ترامب رأيه باليوم التالي لقطاع غزة، بتصريح أقل ما يُقال فيه إنه ليس بمستوى المسؤولية والمصداقية من رئيس أعظم دولة في العالم: "سأتحدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله، لِنَقل مليون ونصف من سكان غزة الى مصر والأردن".
الرئيس ترامب يعني ما يقول نظرياً، لكن لو كان يتحدث عن نقل مواطنين أميركيين من مدينة لوس أنجلوس على سبيل المثال إلى أمكنة إيواء أخرى نتيجة الحرائق التي اندلعت مؤخراً، وهذه مسألة بإمكان حكومته الفيدرالية فعلها في دولة كبرى تعداد سكانها يقارب 235 مليون نسمة، لكن المليون ونصف في قطاع غزة هم كل سكان قطاع غزة، بل هم بمقاومتهم كل الدولة الفلسطينية، وكل الحق الفلسطيني، وكل القضية التي دُفِع من أجلها في الأشهر الخمسة عشر الماضية؛ عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين!

نحن لا نقصد تسخيف ما قاله الرئيس ترامب، ولو أن ما قاله بدا سخيفاً، ونسأل: لو خسرت ولاية كاليفورنيا، وتحديداً مدينة لوس أنجلوس، ألف قتيل - لا سمح الله - في الحرائق، هل كانت ستنساهم أميركا؟ هل نسيت أربعة آلاف قتيل من ضحايا 11 سبتمبر رغم أنهم ليسوا جميعاً أميركيين؟

ونسأل بطريقة أخرى: سكان لوس أنجلوس الذين باتت منازلهم وممتلكاتهم رماداً،  وغادروا فقط بملابسهم إلى فنادق أو أماكن سكن أخرى، ربما يعيشون الحزن على ما احترق من جنى عمرهم، رغم أنهم من أغنى أغنياء أميركا، وخلفهم دولة وشركات تأمين، ولديهم ثروات تبني القصور البديلة في لوس أنجلوس، لكن: هل يعرف الرئيس ترامب أو الحلقة الاستشارية من حوله، أن أبناء غزة الذين يزحفون من الجنوب والوسط إلى الشمال لا يحلمون بأكثر من خيمة نايلون ينصبونها فوق ركام منازل غالبيتها من الصفيح وتحت الركام عظام أحبائهم؟

لقد سبق وسمعنا تصريحات الوزير العنصري المستقيل إيتمار بن غفير، حول رفضه وقف الحرب، ونسمعه الآن بعد خروجه من الحكومة ينعى تضحيات "جيش الدفاع" التي ذهبت سدى أمام مشهدية نصف مليون فلسطيني يعودون الى بلداتهم في شمال القطاع، وزميله وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يدعو إلى إعادة احتلال القطاع، ويرصد أموالاً لبناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، مع إقرار الكنيست الصهيوني منذ ساعات حق التملُّك لأي "إسرائيلي" في الضفة الغربية، التي سبق لترامب خلال حملته الانتخابية الإقرار بحق "إسرائيل" توسعة مساحة كيانها على حساب تلك الضفة، وتنشيط حركة الاستيطان وإقرار حق استملاك "الاسرائيليين" بالضفة وتصويت الكنيست على ذلك منذ ساعات.

وإذا كانت مهمة نتانياهو في زيارته المرتقبة إلى واشنطن، الحصول على الدعم الشخصي لترامب في تكريس الاحتلال الاستيطاني داخل الضفة الغربية، على غرار ما حصل بالجولان خلال ولاية ترامب الأولى، فإن ترامب المتعفف عن خوض الحروب في ولايته الثانية، سيجد نفسه غارقاً في دمائها لو حاول تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، وفتح نفق مجهول على بلاده أمام ستة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، التي يسميها الصهاينة "يهودا والسامرة"، ويحاولون نقل تجربة التدمير والتهجير من قطاع غزة إليها، وآخر الجرائم حصلت مساء أمس الخميس، عبر غارة جوية على بلدة طمون في محافظة طوباس وسقط فيها عشرة شهداء.    

ولو سلمنا جدلاً بأقوال الرئيس ترامب إنه يريد أن يريح أبناء قطاع غزة من حياة الجحيم كما يزعم، ونقلهم الى مصر والأردن، فإن أحد مستشاريه ألمح الى حاجة الأردن لدعم مالي، ويمكن أن يتم عرض الدعم مقابل استقبال لاجئين من قطاع غزة وتقاسمهم مع مصر، وهنا نتساءل عن مصير سبعة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية تعمل "إسرائيل" لتهجيرهم عبر توسعة مستوطنات وإنشاء مستوطنات جديدة.

الجواب أتى مراراً وتكراراً من مصر والأردن على مستوى قيادتي البلدين؛ برفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم في القطاع والضفة، ورفض استقبالهم كلاجئين، ليس لأن تهجيرهم يعني إنهاء القضية الفلسطينية فحسب، بل لأن استقبالهم في مصر والأردن مرفوض على المستوى الشعبي، لأسباب ترتبط بخصوصيات كل من البلدين.

مصر التي بالغت قيادتها في الخضوع للأمر الواقع خلال العدوان على غزة، الى حد غض الطرف عن الاحتلال العسكري الصهيوني لمحور فيلادلفيا، والإمعان في التنكيل بمعبر رفح، مصر هذه لن تستقبل حصتها من اللاجئين الفلسطينيين المفروضين عليها من ترامب ونتانياهو، في رحاب العاصمة الإدارية الجديدة أو في منتجعات الساحل الشمالي، بل ستستقبلهم في سيناء، وقد سبق للعشائر العربية في سيناء أن هددت بقتل أي فلسطيني يدخل من قطاع غزة الى سيناء.

الأردن الذي يُشكل الفلسطينيون والمواطنون من أصل فلسطيني 80% من سكانه، فإن أي ترحيل لفلسطينيين من قطاع غزة أو الضفة الغربية إليه يعني انقلاباً ديمغرافياً وحرباً أهلية وسقوطاً للعرش.

خلاصة الأمر، كائناً ما ستكون نتائج زيارة نتانياهو إلى واشنطن، لن تكون نتائجها لصالحه، سوى بالحصول على المزيد من الدعم العسكري الذي أفرج ترامب عن بعض صفقاته المجمدة من عهد بايدن، والدعم الأميركي لن يساهم سوى بارتكاب حرب تنكيل وإبادة بحق أبناء الضفة الغربية على غرار قطاع غزة، لكن إبادة ثمانية ملايين فلسطيني لن تحصل لا في اليوم التالي ولا الذي يليه، وأمام الصبر العظيم لأبناء قطاع غزة، خاصة العائدين منهم سيراً على الأقدام الى الشمال، يعني باختصار أن نتانياهو مهما استفحل إجرامه ومهما نام على كتف ترامب، فهو ذاهب إلى الحج بعد انتهاء الموسم والناس في القطاع راجعة ولو الى خيمة نايلون على ركام.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل