أقلام الثبات
لا يبدو ان المشهد العالمي، وضمنا المنطقة العربية والشرق عموما، يتجه الى الاستقرار الحربي في ضوء التغول الاميركي من جهة, وإطلاق الاجرام الصهيوني المتمثل بحكومة نتنياهو حاليا الى ابعد مدى يمكن ان يصل في حين ان اوروبا المفترض ان يكون لها دور في ضبط ما لما يجري, غارقة بمشاكلها الكبرى، والتركيز على حرب مقبلة مع روسيا .
في هذا السياق أعلن مفوض الدفاع الأوروبي أندريوس كوبيليوس أنه يتعين على المفوضية الأوروبية أن تسهم في إطالة أمد الحرب في أوكرانيا من أجل احتواء روسيا والاستعداد للحرب في غضون 5 خمس سنوات, و"كل يوم تواصل فيه أوكرانيا القتال يتيح للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بأن يصبحا أقوى"، ودعا إلى "تحويل الاقتصاد الأوروبي إلى اقتصاد حرب" و"علينا أن ننفق أكثر على الأسلحة وننتج أكثر من روسيا"، وتنفيذ المشاريع العسكرية الكبرى المشتركة، والتي ستتولى المفوضية الأوروبية تنسيقها.
من الارجح ان تكون هذه التصريحات الانفعالية, والتي اذا اتخذت هذا المسار, فإنها بلا شك ستجر الويلات على القارة الاوروبية بشكل خاص, وعلى العالم بصورة عامة لكن دونها مشكلات كبرى تواجه الحلف المتمرس في العدوانية , والمعروف باسم حلف شمال الاطلسي , في ضوء نوايا الرئيس الاميركي دونالد ترامب المعلن عنها بضرورة زيادة اعضاء الحلف نسبة تمويل اعمال الحلف الاطلسي العسكري, لكنه ليس متأكدا من ضرورة الإنفاق على حلف الأطلسي خصوصا انه ينطلق من قناعة بأن بلاده تحمي الدول الأعضاء في الحلف، لكنهم لا "يحموننا".
ربما اراد الاوروبيون محاكاة التطلعات المالية لرجل الصفقات - ترامب - من جهة ,ودق إسفين بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهة ثانية , سيما ان ترامب يكرر الحديث عن علاقته الجيدة بنظيره الروسي وأنه يريد الاجتماع به، مع السعي لإنهاء الحرب الاوكرانية، مع التشديد أنه لا يسعى لإيذاء روسيا مؤكدا حبه للشعب الروسي وعلاقته الجيدة بنظيره الروسي العلاقة بينهما كانت دائما إيجابية، مع انتقادات حادة لما أسماه "خدعة اليسار الراديكالي" (في الغرب) التي روجت لفكرة شيطنة "روسيا روسيا روسيا".
يراهن الغربيون الذين يحكمون في اوروبا على عقد صفقة مع ترامب من اجل المستقبل السياسي المشترك الذي يتغذى من الفكر النازي , او اليميني المتطرف , رغم الاذلال لغالبية دول اوروبا والزامها بالتخلي عن النفط والغاز لروسيا , وبيع تلك الدول بدائل بأسعار تتجاوز الضعفين , خلافا لمصالح تلك الدول وشعوبها التي تتحمل اعباء لم كن يوما واردة في حساباتها , لكن ليس من المؤكد ان تنجح القوى الحاكمة في اوروبا في اقناع ترامب بما تريد , وهذا الامر عبر عنه رئيس فنلندا ألكسندر ستوب بقوله "علينا أن نستعد لعهد من الغموض وعدم اليقين، حيث القواعد والمعايير والمؤسسات التي اعتدنا الاعتماد عليها قد تختفي قريبا". وأن الوضع الجديد سيشهد تحولا عن النظام التقليدي القائم على القواعد ودعم المؤسسات الدولية، إلى نظام يعتمد على المعاملات والصفقات، ورجح أن يتمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تسوية النزاع في أوكرانيا في غضون 3 إلى 6 أشهر.
وفي السياق نفسه اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي فقد شعبيته في بلاده, أن ترامب سيشكل تحديا لأوروبا, وهو الموقف نفسه يحاصر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يعاني داخليا الى حد عدم القدرة على تشكيل حكومة قادرة على محاكاة تطلعات الفرنسيين من جهة، وارتفاع اصوات القوى السياسية للذهاب الى انتخابات برلمانية مبكرة يمكن ان تخلص الى انهاء حياة ماكرون السياسية , الذي فقدت فرنسا خلال توليه المسؤولية نفوذها بشكل كارثي سيما في افريقيا .
لقد حاولت فرنسا التقاط لحظة سياسية في الوقت الذي تقوم فيه رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن بجولة سريعة في العواصم الأوروبية لحشد الدعم من الحلفاء للتعامل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن السيطرة على جزيرة غرينلاند: "الولايات المتحدة ستحصل حتما على جزيرة غرينلاند التابعة حاليا لمملكة الدنمارك." والمراهنة على عقد صفقة مع الادارة الاميركية الجديدة التي تتعامل مع الدول الاوروبية كملحقات .
في الوقت نفسه حاولت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كاياس "الحك على جرب " ترامب من جهة والتمسك باستمرار الحرب مع روسيا من جهة اخرى ,بدعوتها الاتحاد الأوروبي إلى أن الإصغاء إلى طلب الرئيس الأمريكي , قائلة : "الرئيس ترامب محق في القول إننا لا ننفق بما يكفي. حان الوقت للاستثمار"، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تظل "أقوى حليف" لأوروبا، وقالت: "في العام الماضي، أنفقت دول الاتحاد الأوروبي حوالي 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. بينما أنفقت روسيا 9%، وأضافت: "يقول الناس إنني صقر في مواجهة روسيا. أعتقد أنني ببساطة أتعامل معها بواقعية".
لا شك ان اي صفقة مع الرئيس ترامب ,الذي من الصعب التنبؤ بخطواته , لا يمكن ان تحقق مصلحة اوروبا وسط محاولة ابتزاز خبير الصفقات , كالتي عبر عنها وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بأن باريس ناقشت مع الدنمارك إرسال قوات إلى غرينلاند ردا على التهديدات المتكررة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوضع اليد عليها وقال الوزير الفرنسي إن "باريس بدأت في مناقشة نشر قوات مع الدنمارك، كما أن دولا أخرى في الاتحاد الأوروبي مستعدة أيضا لدراسة إرسال قوات إذا لزم الأمر"، و"إذا طلبت الدنمارك المساعدة، فإن فرنسا ستكون هناك، الحدود الأوروبية هي حدود ذات سيادة، سواء كانت في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، ولا أحد يمكنه أن يتحمل التدخل في حدودنا".
لا شك ايضا اذا صدقت اقوال ترامب بانه سينهي الحرب المكلفة في اوكرانيا, لا بد ان يحصل على صفقة مربحة , سيجدها لدى الدول النفطية خصوصاً الخليجية، سيما ان تمويل الحرب بمواجهة روسيا كلفت الغرب نحو 500 مليار دولار , بحيث مولت الادارة الاميركية السابقة ب 196 مليار دولار وفق وزارة الدفاع الاميركي "لدعم عملية "الحزم الأطلسي" ولأوجه الدعم الأخرى لأوكرانيا"، وجاءت ألمانيا في المركز الثاني بعد واشنطن، حيث قدمت، خلال نفس الفترة، 172 مليار دولار، وساهمت بقية دول العالم بأقل من 75 مليار دولار من إجمالي المساعدات، وكان معظم هذا المبلغ من بريطانيا (28.2 مليار دولار)، وبولندا (24.3 مليار دولار) وإستونيا (5.48 مليار دولار).بينما أعلنت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كاياس أن الاتحاد الأوروبي صرف 134 مليار يورو لأوكرانيا، منها 50 مليارا على شكل مساعدات عسكرية.
بلا شك ان ترامب وجد ضالته سريعا بان طلب بداية 600 مليار دولار من السعودية , والتي استجاب ولي عهدها محمد بن سلمان فورا , الا ان ترامب وبعد اقل من ساعات رفع قيمة صفقته الى تريليون دولار , من دون ان يكون بالمقابل اي وعد للسعودية بتحقيق اي من تطلعاتها ولا سيما بشأن الحروب الاميركية - الاسرائيلية على دول وشعوب المنطقة ولا سيما في فلسطين ولبنان , لا بل اعلن ان على مصر والاردن استقبال الفلسطينيين الذين ستهجرهم "اسرائيل" بموافقة ورعاية اميركية , ما يعني ان الحروب في المنطقة لن تضع اوزارها , وانما ستكون اكثر شدة.